وصل انقطع

بقلم/ إلهام الجعفر الشمري  

لماذا نجد صعوبة في التواصل مع أحدهم؟ لماذا تضيع العبارات عندما يباغتك بتصرف لم تضعه بحسبانك؟ لماذا نتألم أو نشعر بتنامي الجروح داخلنا بعد حديث مع شخص وثقنا به ولم نألف الجانب الآخر منه؟ لماذا ينحشر الكلام في صدرك موجعاً كل وريد فيه عندما ترى سلوكاً كان أبعد من أي أمر في الحياة عن مخيلتك؟ لماذا يتوقف العتاب في روحك قاطعاً كل الدماء عن فكرة العفو فيصبح قلبك أشبه بمقصلة تفتك براحة بالك؟
لماذا نغضب أو نسامح أو نخاف أو نحاول الحفاظ على أحد أو أمر أحببناه؟
تلك السلاسل مصنوعة من أمر أقوى من الفولاذ . إنها فكرة التواصل بين البشر.
تخيل بأنك تمتلك مزرعة كبيرة وارفة الظلال كثيرة الثمر وانقطع عنها الماء فجأة. موت مفاجئ متوقع حدوثه نتيجة أسباب معروفة لكنها مهمة وبالغة الأثر. هكذا التواصل بين البشر يمتلك قوة هائلة في تشكيل الحياة ، ولاشئ يرفع قيمته مثل هيمنة حضوره في جميع العلاقات الإنسانية. ولو كان هناك علم يجب أن يبدأ تلقينه وإدراكه منذ الطفولة فلن يكون أهم من التواصل الفعال. والاتصال الفعال يأتي نتيجة التواصل الجيد لأن الفعالية تصيب قلب الآخر وتشجعه على الاستمرار أو الانتهاء من تلك العلاقة.
منذ قديم الأزل افترشت أسماعنا الكثير من الروايات والقصص كان بدايتها ونهايتها نوع التواصل القائم بين البشر. التواصل عبارة عن بحران أحدهما عذب والآخر مالح ورغم ذلك يلتقيان. ولأننا بشر كان من الطبيعي أن نختلف ونتفق ثم نعود نختلف ونتفق. غير أن قدرة الدماغ والروح على فهم تلك الشبكات المعقدة بين تلك وذاك هي التي تجعل إدراكنا لما يحدث ضعيفاً أو واعياً.
كثير من التواصل (وإن كان معظمه) يقطعه سوء الفهم ومطية الظن وقلة الوعي . يوجد طرف قاض وآخر جلاد. وطرف مستقيم وآخر منحني وكلاهما لديه مستوى من الامتصاص مختلف. جرب أن تتحدث دون ترتيب مسبق مع أحدهم .ستجد زاوية في الحديث مغلقة لأن صاحبها اختار أن يتبنى وجهة نظره، وبذلك فهو طواعية يغلق الزاوية التي تتحدى أفكاره أو تقلل منها. هذا مايحدث مع غالبية البشر.
التواصل يهدمه الشخصنة وتوحد الرأي ، والأخطر الحماية الذاتية بجر أفكار مشابهة تدعم الرأي الواحد، وتجعله يبدوا وكأنه حقيقة مقنعة. لهذا فإن بناء حلقات تواصل يحتمل الكثير من الخلفيات في الفكر والتنشئة والطباع وهذا يشمل في رأيي كل الناس، حتى الواعين منهم . فالحياة تُقدمنا بصور مختلفة مع كل مرحلة جديدة في أعمارنا ، وربما يكون هذا مفيد في مرحلة ما لمواقف وأشخاص معينين في أوقات معينة . وإن كان هدف التواصل هو تحقيق سنة الله في الكون حين قال سبحانه وتعالى ( وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) فإن انصهار النفوس بعضها مع بعض يتطلب بصيرة، وقرة عين البصيرة هي في عدم إصدار الأحكام حتى يثبت التعامل عكس الاعتقاد.
وحينما يُقال افتح قلبك للناس واصبر عليهم وامنحهم الأعذار فالمغزى في ذلك أن يكون السلام بقيمة حرارة اليد، وأن يكون القول بقوة ثبات البناء، وأن يحظى العفو برباطة الإيمان وصلابة الذات ، وأن يكتمل الفعل بشجاعة الاعتراف بالخطأ .أن التواصل كالخشب إذا بلله المطر أتلفه ، والمطر هنا هو التشبث والعزة بالإثم والتعالي على مراجعة الذات والفظاظة والغلظة التي تسمح جميعها بانفضاض الناس من حولك. هي شيخوخة مبكرة للعلاقات والمسؤول الوحيد فيها هي طريقة التفكير ،وعندما نتحدث عن التفكير يبادرنا سؤال غاية في العمق: ماهو فقه التواصل؟، وهل يستطيع الانسان أن يدرك ويتعلم مافاته وأربك حياته ؟ ومن هي الفئة القابلة للتغيير؟ وقد أدركت وأنا أدون السؤال الأخير بأننا جميعاً قابلون للتغيير وتحسين وصلات ارتباطنا بالآخرين (فقط لو بوعينا فهمنا قيمة تلك الوصلات).
إنها مراجعة ذات قيمة عالية لسلوكياتنا وعباراتنا وحتى لغة أجسادنا. مراجعة دورية تمكنا من أن نرى الأسباب التي يمكن أن تجعل تصرفاتنا وأفعالنا مفهومة للآخرين فلا يحكمون علينا ويصادرون حقوقنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
@elhamaljafar

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى