سيكولوجية الكذب

بقلم / إلهام الجعفر الشمري  

المساحة الفارغة العميقة تبدو بالغة البعد، وهمية الحدود، ثقيلة وخفيفة في نفس الوقت، تتحدث عنك ومنك وإليك بحجة وبدون حجة، تشعر بالسعادة الفارطة رغم سخافة الإحساس ورغم قوته وتأثيره ودوره في تغيير مجمل حياتك، كل تلك العبارات هي صورة حية لصفة مشينة تدعى الكذب.

ما السعادة التي تخفيها وراءها حينما تنقذ شخص من الوقوع في مشكلة!

ما الخوف الذي يحدق بالروح حينما تتآكل أحاسيس الأمان والثقة ، فتنطلي عليك لعبتها وتصدق أنه من حقك أن تكذب.

ما الوقت المهدر من حياتك في تلقي المديح وأنت لا تستحقه!

ما الثقة الكامنة خلف وجه تمكن ببراعة من تصنع واقع ليس إلا في خياله!

سيكولوجية غريبة مبررة بكل اللغات لأنها تمنح إجازة بتخطي كل العوائق بالزيف، العوائق التي تلتصق بالذات وتمنعها من المثول بشجاعة أمام ما هو حق طبيعي لكنه محرم بعرف الناس، وإن كان هناك وجه آخر للكذب فسيكون الخوف مهما كان نوع الخوف أو أسبابه، نحن نخاف من فقد من نحب، نخاف من فقد صورة يتوقعها الآخرون منا، نخاف من أن لا نحظى بالأمور التي نحب اقتناؤها، نخاف من عنف جسدي أو معنوي.

والحقيقة أن الكذب جنة العنف الذاتي الخفي، هو ملجأ وارف الظلال لهؤلاء الشاردون عن مصائرهم لا تكاد تمر عليه دقيقة دون أن يظلل ويقي من حرارة لهب الصدق الذي يعتبر مقصلة لرغباتهم.

لماذا نفعل ذلك ونحن ندرك كم نحن ضعفاء .. لماذا نصدق بأننا نتخذ هذا السلاح لحماية أنفسنا ومن نحب بينما ندنس علاقتنا بهم بتلك المخاوف العالقة، والتي ربما تكون في أذهاننا فقط.

الكذب خلفه أبواب أوصدت أقفالها حتى تتعايش بلذة النصر المؤقت، من تلك الأبواب خوف يصنعه الآباء في نفوس الأبناء فيخيفهم من قول الحقيقة ويحفزهم للتصدي لعنفهم وغضبهم بالكذب، باب آخر يخفي زوجة سقطت في براثن زوج قاس أوهمت نفسها بروعة الكذب كوسيلة لحماية ظهرها من كفه القاسية، موظف كل همه أن يزين باب رزقه دون أدنى خوف من عواقب كذبه.

فإن كان الكذب رذيلة في زمن قديم، فقد أصبح فضيلة في عصر تحرر من قوة ورصانة الحقيقة، الكذب وأنا أشخصنه اليوم أراه أصبح عذر من لا عذر له، لكن وحتى لا نتجاهل أموراً خطيرة ومهمة في سيكولوجية الكذب يجب أن ندرك بأن الشخص الكاذب ليس الملام الوحيد هنا بل أيضاً الظرف الذي دعاه للكذب والأشخاص الآخرون الذين كان لهم دور في تشجيعه على ارتكاب حماقة الكذب، فالأب الذي يرهب أبنائه على أي خطأ ويتعدى عليهم بالضرب، والأخ الذي لا يتحدث سوى بلغة المراقبة والعقاب مع أخوته، والأم التي من فرط مثالتيها تضغط بتوقعاتها المبالغ فيها مع أبنائها، والزوجة التي تغار دون تعقل، كل هذه الأسباب وغيرها تجعل عملية الكذب عملية مباحة ولها مبرراتها عند الكاذب، وهنا يصبح الكاذب مجني عليه أكثر من كونه جاني، وقد يكتشف هؤلاء المضطهدون خطأهم في فترة ما من الحياة وقد لا يكتشفون وتستمر حالة التشبث في الكذب كمخرج طبيعي للمواقف.

إن عملية الوعي التي تصاحب فكرنا ونحن ننظر إلى أننا يمكن أن نكون سبب لارتكاب من نحب تلك الخطيئة قد يجعلنا نعيد النظر بالسؤال الأهم : لماذا نقوم بتلك الأفعال التي تشكل ضغط كبير للأشخاص المهمين في حياتنا ثم نتوقع منهم الالتزام بقول الصدق ! وقبل أن تكون محاسبة الآخرون مهمتنا للحفاظ عليهم يجب أن تكون محاسبتنا لأنفسنا أشد وأقوى، كلنا بحاجة للرجوع إلى مربع طرائقنا وأساليبنا في التعامل مع أحبائنا، سنفهم ونعي بأننا يمكن أن تكون انتصاراتنا على نقاط ضعفنا وبعض الأساليب والمعتقدات الفارغة في عقولنا يمكن أن تحمي من نحب من السقوط في متاهة مخاوفهم منا والبحث عن أكذب الحلول لإرضائنا.

سامحوا أحبائكم حينما تضطرونهم للكذب، أعيدوهم لأنفسهم الصافية باحتوائكم لهم، ساعدوهم ليكونوا كما خلقهم الله بفطرة سليمة تكره الكذب، اعفوا واصفحوا عن ما مضي واجعلوها بداية نظيفة جديدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صانعة محتوى/ مدربة تنمية ذاتية

@elhamaljafar

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى