الانطباع الأول

بقلم/ إلهام الجعفر الشمري  

تدخل لقاعة ما لحضور ملتقىى أو مناسبة اجتماعية . القاعة مليئة بالعديد من الناس . تجمعك الصدفة للجلوس مع مجموعة تعانقت الحديث حول موضوع بدا شيقآً، حيث تناثرت الآراء من هنا وهناك وتكون أنت أحد أطراف المناقشة حيناً وحيناً آخر طرفاً في الانصات . في تلك المجموعة تلاحظ شخصاً لم تره مسبقاً ولاتعرف عنه شيئاً . تتبع دون قصد حركات جسده كإيمائة العين ونبرة الصوت وحركة اليدين. يعلو صوته تارة وتارة يلوذ بالصمت منصتاً لما يدلي به الآخرون. ينتهي اللقاء ثم تميل على كتف صديقك وتخبره بأنك لم ترتاح لذلك الشخص الذي تبعته عيناك وأذنيك دون سابق تعمد . يسألك صديقك عن السبب لكنك لاتملك سوى إجابة واحدة وهي أن ذلك مجرد شعور. وقد تحدث نفس المصادفة وتجد روحك سعيدة بتواجد شخص آخر وقد ارتحت لحديثه وهو شعور لاتعرف ماهيته لكنك مطمئن له .
هذا الانطباع الأولي لابد أن البعض اختبره تجاه بعض الأشخاص واحتار في أسبابه، فهل هناك حقيقة وراء ذلك الشعور الغريب المجهول ؟
قد يتجنب البعض المضي وراء ذلك الشعور وخاصة الأشخاص المنطقيين العمليين . وقد يعتمد عليه البعض الآخر اعتماداً كلياً لكونهم اختبروا بأنفسهم مدى صدقه بعد أن أكدت الأيام بأنه لم يكن شعوراً خادعاً .
من وجهة نظري ليس هناك أقوى مما قاله حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم في أن ( الأرواح جنود مجندة ماتعارف منها ائتلف وماتناكر منها اختلف).والسؤال هل يمكن الاعتماد على هذا الانطباع في تسيير شكل أي علاقة ؟
أعتقد بأن هذا يعتمد على تكرارالنتائج فبعض الناس يؤمنون بقوة بذلك الإحساس حيث يحدث أن يكون هذا الاحتمال حقيقي وتظهره الأيام. والبعض الآخر يصعب عليه الاستفادة من ذلك الشعور ، خاصة إن كان الشخص من أولئك الذين لا يهتمون كثيراً بمجال الطاقة ومعناها سواء كان إيجابياً أو سلبياً ، وهذا ناتج عن انشغال عقله بأمور كثيرة لايعنيه سواها وبهذا تنحجب عنه رؤية تلك الإشارات .
وأكاد أجزم بأن تركيزك على تفسير ماتمتصه روحك من الطاقة الخارجية يساعد كثيراً في فهمها ومعرفة أسبابها . بمعنى أن المسألة ليست معقدة كثيراً. وقد أثبتت البحوث بأن العاطفة (ومحلها القلب) والتي تمتلك كل مقومات المشاعر تأثيرها أكبر على قرارات الانسان من التحليلات التي يمنطقها الدماغ .
أتذكر فتاة تقدم لخطبتها شاب وكان مثالياً كزوج في نظر الجميع إلا أنها الوحيدة التي كانت مطوقة بأحاسيس سلبية تجاهه. حاولت تلك الفتاة اقناع أهلها بعدم الزواج منه لكنهم واستناداً على المعطيات المتوفرة في ظروفه وشخصيته اقنعوها بمدى تناسب هذا الرجل مع مستقبلها القادم. تزوجت الفتاة وحدث بعد سنوات من الزواج أن اصطدمت بالكثير من المشكلات الداخلية والنفسية في شخصية الرجل وانتهى أمرها معه بطلاق في عمر مبكر وثلاثة أطفال.
واذا حاولنا أن نربط هذا الشعور (الانطباع الأول) بمعنى الإشارات التي يفضي إليها ربما أمكننا تفسير مانشعر به. ودعني أوضح ذلك بمزيد من التفصيل. فإن أسقطنا مانقوله على مثال الفتاة التي ذكرناها سابقاً وشعورها تجاه الرجل الذي أصبح زوجها لاحقاً، ولو حاولنا أن نستدرج بعض الأسئلة لنفهم طبيعة هذا الشعور سنطرح ماهو آت منها: ماهي التصرفات والسلوكيات التي كان يقوم بها الخاطب وهو معها ؟ كيف كانت طريقة حديثه ؟ نبرة صوته حينما يغضب ؟ أسلوبه في طلب الأشياء ؟ طريقته في مخاطبة أي فرد من أهلها ؟ تعامله مع الآخرين في الشارع أو المطعم ؟. قد تبدو تلك الأسئلة بسيطة لكن مجموع إجاباتها يمكن أن يفسر سبب الشعور الخفي بعدم الارتياح .
على الصعيد الآخر فالأمر نفسه ينطبق على مشاعر الارتياح تجاه شخص وهذه المشاعر الإيجابية قد تدفع البعض إلى الدفاع عن فكرة لمجرد التفاؤل بمن سيقوم بها . والحقيقة أن المشكلة ليست في تلك الانطباعات بل في طريقة فهمها وتفسيرها والتعامل معها .وهنا في محطة مهمة أود الإشارة إلى أن في مقتبل أي تجربة نمر بها مع أشخاص تنبعث إشارات ساكنة لكنها قوية ومرتبطة بشكل أساسي بشخصية صاحبها ومن السهل اكتشافها لو منحنا أنفسنا فرصة للإنصات أكثر من الكلام وهي الفرصة التي أجزم بأنها ستكشف لك أمور أكثر مما تتخيل . هذه مهارة لايمكن أن تتعلمها دون تجربة واقعية وخلال التجربة ودقة الانصات الواعي المتعمد ستقفز أسئلة كثيرة لذهنك تريد الإجابة عنها فإن تمكنت أن تجيب عنها ستفهم الكثير . ومن المؤكد بأنك أنت وحدك القادر على تفسير تلك الإشارات لأنها تؤثر فيك أنت وحدك.
مامعنى ذلك؟ معناه أن تلك الإشارات قد تختلف من شخص لآخر حسب خلفيته البيئية والثقافية والله يعطي بحكمته لكل فرد مايتناسب وطبيعته البشرية ، ولكنها في النهاية دلائل صامتة يثبت وزنها مع مرور الوقت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلهام الجعفر الشمري
@elhamaljafar

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى