محاكاة التضاريس

بقلم / عبدالعزيز الفدغوش  

تؤكد كثير من المصادر التاريخية وعلى مر العصور بأن المرء ابن بيئته تأثرا وتأثيرا ، فعلاقة الإنسان بالمكان هي علاقة دينية واجتماعية واقتصادية ونفسية وأدبية وعلمية وسياسية وثقافية ،وكما يقول الفيلسوف جاستون باشلار:(إن المكان الذي ينجذب نحوه الخيال لا يمكن أن يبقى مكاناً لا مبالياً ذا أبعاد هندسية فقط ، فهو مكان قد عاش فيه بشر ليس بشكل موضوعي فقط بل بكل ما في الخيال من تحيز ، والمكان الذي نحبه يرفض أن يبقى منغلقاً بشكل دائم إنه يتوزع ويبدو وكأنه يتجه إلى مختلف الأمكنة دون صعوبة ويتحرك نحو أزمنة أخرى وعلى مستويات الحلم والذاكرة)، ويقول الدكتور مهند النعيمي : (إنّ ارتباط الإنسان بالمكان حالة شعورية تتولد من خلال احساس المرء بإنّه جزء من المكان وأبعاده وتضاريسه وأحداثه التي عاصرها في فترة سابقة من حياته)، وإن للبيئة ونمطها الذي يعيش فيه الإنسان تأثير مباشر على العمل الأدبي فهي تعطي صورة واضحة عن تأثيرها في إخراج عمل المبدع ممزوجا بأحواله الحياتية وتفاصيله النفسية، وفكره المتقد الفعال ،فإلإنتاج الأدبي يقوم على تلازم جدلية الذات والمكان فالعلاقة بينهما روحية وثيقة ، وإن للمكان وما يرتبط به من تجارب الحياة وعلامات جغرافية سر في انبعاثات الروح فمشاعر الإنسان تؤرخ للذات والمكان في الوقت ذاته ، ومن خلال محاكاة التضاريس الأرضية والمؤثرات الطقسية يكتسب الإنسان رؤى إضافية وابتكارات ابداعية ، وللبيئات باختلاف تنوعها ( الجبلية والصحراوية والسهلية إضافة إلى المدن والقرى والأرياف ) خصوصية من حيث العادات والتقاليد والحياة الثقافية والإقتصادية والإجتماعية وينعكس ذلك على نتاج الأديب والمفكر فتجد للمعالم البيئية حضور في الأعمال الأدبية وكمثال على ذلك تختلف القصائد التي كتبها الأديب الكويتي فاضل خلف على نهر مجردة بتونس عن التي كتبها في صحراء الكويت فلكل بيئة ما يناسبها ويلائمها من الألفاظ والإيحاءات والنعوت .

بيـــن البــرايــا والأمـــاكــن ترابــط
وروح انسجـــام ٍ وثّقــت حالة الربط

تــلازم ٍ دايــم بحســــب الضـــوابط
حيث المعالم جِسّدت بالعمل ضبط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى