“يا صعيدي.. خذ بيدي” بقلم رئيس التحرير

بقلم/ عبدالله العنزي  

أثناء مشاركتي مع منظمة السلام الدولي والتنمية العالمية (سمبادا)، والتي تهتم بمساعدة المحتاجين بالعالم، وتتخذ من جنوب الفلبين مقرًا لها، وكانت رئيستنا بالشرق الأوسط آنذاك الدكتورة ميساء الهاشمي، والمشرفة العامة الشيخة فريحة الصباح – رحمها الله -.

وعملت من واقع ما اكتسبت من خبرة، ومن خلال زيارتي لعدد من الدول العربية، وكذلك الاطلاع على ما يقدم لأهل العوز بهذه الدول؛ وأعجبتني فكرة تطبق بالأردن، وهي “تأهيل الحالة في منزله وتقديم له ما يلزمه من أدوات تساعده في إتقان حرفه يتكسب من ورائها تكفيه عن السؤال، ويكون ذلك في مجالات مختلفة، وكلٌ حسب ما يستطيع تعلمه من حرفة معنية، ما لم يكن يجيدها من الأساس، مثل الحضانة أو الخياطة أو فتح فصول تقوية وغيرها..، ثم الحصول له على الترخيص من الجهات المختصة.

وعلى غرار ما سبق، قمت بعمل بحث عن هذا سميته (خذ بيدي)، ولكني لم أجد من يأخذ بيدي ليرى هذا البحث النور ويطبق على عدد معين، وكلما توجهت لجهة أجد صعوبة للوصول لصاحب القرار، مما جعلني أستبعد الفكرة تماماً وأتخلص من البحث، إلأ أن الفكرة ظلت بعقلي.

وفي يوم ما، وأثناء وصولي لجمهورية مصر العربية، وبالتحديد من مقر سكني المؤقت في الطلبيه، وقبل انتقالي إلي الجيزة، والتي سوف أتحدث عنها في مقال آخر – إن شاء الله -، عندما كنت واقفًا على بلكونة المبني بالدور السادس أنتظر المهندس علي، الذي خرج لحاجة ما قبل أن نتوجه لمقر العمل بالنايل سات، حينها شاهدت امرأةً طاعنه بالسن، وجنبها امرأة مقعدة كبيرة سن، وكذلك فتاة يظهر عليها الإعاقة الفكرية وهي تبيع خضار وكرمب على الرصيف.

وبعد تردد، قررت أن أنزل خاصة أنها مقابل المبنى ولا يفرق بينا سوى أمتار معدودة، وطبيعي أنني أثناء سفري ألبس لبس أهل البلد لنتعايش معهم.

وعندما وصلت لها، سلمت.. وقالت: ماذا تريد يا ولدي؟.. ونظرت لبضاعتها وكانت من الخضار ويبدوا أنها لم تبع منها شئ؛ كذلك الست الكبيرة، وقد عَرَفْتُ فيما بعد أنها أمها وتحضرها معها خوفًا من أن تتركها وحدها، وكذلك الفتاة العشرينية ذات الإعاقة العقلية، وقد لاحظت حينها أن ملابسهم كانت قديمة جداً، والمكان مكشوف للشمس.

فقلت “بكم البضاعة هذي كلها؟..”، قالت “يا صعيدي انت عايز بكم؟..”، قلت “عاوزها كلها”، قالت “يا بني دي كلها بخمسين جنيه” – وفي ذلك الوقت على ما أتذكر أن المائة ريال كانت تعادل مائة وأربعون جنيه -، وتابعت السيدة العجوز، قائلة “يا بني أنا غلبانه ومش بتاعت هزار”، قلت “طيب سوف آخذها منك بمائتين جنيه”، قالت “يا صعيدي روح بعيد يا بني”، يبدوا لي أنها قد اعتقدت من لهجتي أني من أهل الصعيد، وإنني أفتخر بهذا الانتماء، فهم لا يعيبهم شيء، قلت “يا حاجة رايح أخذها منك بشرط”، قالت “ايش؟..” قلت “توزعيها صدقة عن أمي وأبوي وجدتي المتوفيين”، قالت “أنا ما آكل حرام، إعطني خمسين جنيها قيمتها ورايح أوزعها”، قلت “مائتين وتحسني وضعك كمان”.

أعطيتها المال، ورجعت مسرعا إلى البلكونة أراقبها، إيش تعمل؟!.. فعلاً؛ أرسلت طفلا للحارة خلفها وحضر للمكان ستات يلبسون ملابس سوداء وأخذوا كل بضاعتها.

وفي اليوم الثاني، كانت الخضار مضاف له بعض الطماط والخيار والبطيخ، والسيدة الكبيرة والبنت رأيتهم في ثياب مناسبه، ولم تشتري شيء لنفسها، وكان هذا اليوم موعد انتقالي إلي السكن الجديد، وطلبت من المهندس “علي” أن ينتظر حتى أنزل احضر حاجتي، وكان أبو حسن – نعم الأخ والصديق – أصر أن ينزل بدلا مني، فقلت “حاجة خاصة ولم أطول”، ووصلت لها، وعرفتني.. بص يا صعيدي جبت بضاعة جديدة وجبت جلابية لماما والبنت، قلت “وانتي؟!.. قالت “بعدين.. أهم حاجة أجمّع واشتري مظلة تمنع عني الشمس”، قلت “عايز أشتري منك كل البضاعة وتعملي نفس أمس توزعيها أدام ما تقبلي صدقة”، وكانت هالمرة بخمسمائة جنيه، وبين رفض وإلحاح مني.. قبلت، ورحلنا إلي السكن وانشغلت بالعمل والمونتاج وتغطية حفل تخريج الطلبة السعوديين وزحمة شوارع مصر، وكذلك تعرضي لاكزيما بالوجه، نسيت موضوعها.

وأثناء مروري بشارع فيصل المزدحم، وكان المهندس علي، يقود المركبة، قلت “تذكر يوم وصلت وين سكنت؟” قال “أيوه”، قلت “طيب إذا تقدر تمر منه فيه جاحة أرغب أشاهدها”، قال “هو فيها حاجة؟”، قلت “أيوه.. جنب موقع الباصات يبعوا فاكهة وأبي اشتري”، المهم.. وافق ونجحت بأن ما أخبره عن حاجتي.

وقد فرحت جداً، عندما رأيتها مشتريه مظلة والخضار والفواكه أمامها تنافس أصحاب المحلات بجانبها، وأمها تجلس على كرسي بدلًا من الأرض، واشتريت من المحل المقابل لها لكن سعدت بتحسن وضعها وزبائن عندها.

هذه تجربة طبقتها واقعياً ونجحت، وكانت من ضمن المقترحات ببحثي “خذ بيدي”، الذي لم أستطع أن أطبقه، ربما أن الفكر الذي تدار بها الجمعيات يختلف عن ما أريد أو أن بحثي لم يرتقي لأفكار المختصين.

الدولة لدينا – حفظها الله – تدعم الجمعيات بملايين الريالات، غير الضمان والمساعدات الطارئة، وكذلك ما تقدمة الصناديق الخيرية، لكن لماذا لا يتم تأهيل الأسر المعوزة ويتم دعمها بمشاريع صغيرة تحسن من وضعهم المادي.

ويعلم الله وحده، أني لم أقصد من هذه المقالة الرياء، بل لأطرح فكرة لكل إنسان قادر أن يطبق هذه الفكرة، ويساعد معوز بفتح له مشروعا صغيرًا حسب معرفته، ويكون عليه فاتحة خير، و”الله يفرجها على عباده”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم رئيس التحرير/
عبدالله العنزي.
‏@abd123d1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى