قضية القديم والحديث عند النقاد
“كل قديم حديث في عصره” وكل حديث اليوم قديم غداً , وهلم جرا , ولستُ مع من قام بتحديد القديم والحديث في الشعر وربطه بالزمن , والذي ذهب عليه كثيراً من النقاد , والأكبر من هذا أنهم حددوا ولادة الشعر المحدث ووفاة القديم واغلبهم لغويون لأن عصر الاستشهاد التي حددوها سنة ١٥٠ , إذ يرى بعض النقاد ان آخر شاعر من سلسلة القدماء هو أبراهيم بن هرمه , وحددوا منتصف القرن الثاني الهجري هو نهاية الشعر القديم , فيما يرون أن بداية عهد المحدثين بدأ مع بداية بشار بن برد والذي توفى ١٥٠ هجري وقد سمو ما بعده عصر المحدثين وعصر المولدين بعد قيام الدولة العباسية , ووصل الأسلام بلاد العجم والفرس , واسلم كثيراً من الأعاجم والفرس , وأنتشرت اللغة العربية ومنها ازدهر الشعر , والشعر كائن حي يتغير ويتأثر بالبيئة المحيطة به , وازدهر الشعر . واصبح الشعر ليس بحكر على العرب بل على كل من تكلم العربية , وهذا ما استاء منه بعض النقاد واعتبروهم دوخلاء على الشعر بل وحاربوهم , فخرج نقاداً متعصبين للقديم في العصر العباسي ويطعنون بشعراء هذا العصر وكانوا لا يقروٌن بإحسان محدث ولا يعترفون بفضله او مولد او شعراءهم , وقد قال ابن الأعرابي ” إنما أشعار هؤلاء المحدثين – مثل أبي نواس وبشار ومن أتى بعدهم – , مثل الريحان يُشم يوماً فيذوا فيرمى به , وأشعار القدماء مثل المسك والعنبر كلما حركته أزداد طيباً , وقد لاحظ الجرجاني ذلك بوضوح في كتابة الوساطة بين المتنبي وخصومة , في معرض دفاعه عن شاعره المتنبي , ان عيب النقاد انهم لا يتناولون إلا أخطاء المحدثين وشعرهم مع أن القدماء لديهم أخطاء لا تقل عنهم ومع ذلك لا يتطرقون إليها , وكأن للقدماء عندهم حرمة تستر عليهم , وهذا ما دعى بعض النقاد المتعصبين للقديم في تقويم الشعر إلى الزمن قبل ان يكون التحكيم بالفن وأصوله , أو إلى الشعر ومقاييسه , وكانوا ظمنياً يعجبون بكثير من هذا الشعر المحدث وويحتسنون ما به من إحسان وفضل ولكن حجر العثرة أمامهم الزمن – والزمن وحده – الذي كان يمنعهم من أظهار هذا ألأستحسان , او رواية هذا الشعر المحدث الجيد .
ويقول ابن قتيبه في كتابة الشعر والشعراء في قضية اسماها عدم الأعتداد بالزمن : ولم اسلكُ في ما ذكرتُ من شعر شاعرٍ مختار له سبيل من قلد واستحسن ولا نظرت إلى المتقدم بعين الجلال لتقدمه وإلى المتأخر منهم بعين الاحتقار لتأخره ، بل نظرت بعين العدل الفارقين واعطيت كل ذي حقٍ حقهُ ووفرت عليه حقه
وكان الأصمعي معجباً بشعر بشار بن برد ويقول : ” والله لولا إنها أيامه تأخرت لفضلته على كثيرا منهم ” وربط الزمن مع إن لديه أفضلية في المعنى والمبنى في الشعر , ولكنهم كانت تحتكم في الزمن وتصدر أحكاماً على الشعر والشعراء , وكان ينبغي عليهم أن تكون الأفضلية للشعر الجيد بغض النظر عن قائله أو زمانه ، وأن لا فضل لقديم على محدث ولا لمحدث على قديم إلا بالإجادة .