استنفاد القدماء للمعاني
هل غادر الشعراء من متردمي
عنتر بن شداد
ان كان للقداماء فضيلة السبق الى بعض المعاني فهناك من المتأخرين من ابداع اي ابداع في خلق صور وافكار جديدة لم يتطرق اليها المتقدمين , ولعل خير شاهد ما قاله المعري :
واني وان كنت الأخير زمانه
لاتٍ مالم تستطعه الاوائل
وظهرت قضية القديم والجديد و ان المتقدمين لم يتركوا للمتأخرين شئ من خلال تعرضهم لفكرة ” استنفاد القدماء للمعاني ” و يقولون من الناحية العلمية ان الأول لم يترك للأخر معنى شريفا ولا لفظا بهيا الا أخذوه وكأنهم يحكمون مسبقا باستغراق المعاني والاستيلاء على منافذها وقد قالها الجاحظ ” ان من تقدم لنا قد استغرق المعاني وسبق اليها وانما نحصل على بقايا ام تكون تركت رغبة عنها او لبعد مطلبها في كتابة” الوساطه بين المتنبي وخصومه” حتى انه لم يترك الأول للآخر شيئا وكل ما يكتب يعد سرقات ادبية وان اختلفت مسمايتها يقول الجاحظ: “اذا سمعت الرجل يقول لم يترك الأول للاخر شئ فاعلم انه لن يفلح و استشهد ببيت ابي تمام:
يقول من تقرع اسماعه
كم ترك الاول للاخر
اخذت مقولة الفرزدق التي قالها من باب السخرية على شاعر عرض عليه شعره مقولة الشهيرة “( ان الشعر كان جملاً بازلاً ولم يبقآ لكم الا الدراع والبطن ….. الخ ) وقد استنفد القدماء المعاني و هي ليست فكرة جديدة
في كل جيل تتكرر ويقولها كل جيل عن الجيل الذي قبله وقد سبقهم زهير ابن سلمه بقوله وأن كلامه من ضرب التكرار عندما قال:
ما ارانا نقول الا معراً
او معادا من لفظنا مكروراً
وقالوا لم يدع الأول للآخر معنا شريفا ولا لفظا بهيا إلا اخذوه الا بيت عنتره التي قال فيها :
(” فترى الدباب…*
حتى وصل إلى أن القاضي الجرجاني تجاوز عن السرقات الادبية من باب ان الأول لم يترك للآخر شيء ويرى الجرجاني ان القدماء قد قالوا كل شئ تقريبا ولم يكادوا يدعون شئ للمحدثين ما يقولونه بل ان الواحد من هؤلاء المتأخرين يقول المعنى يظن انه من بنات افكاره ولكنه يفاجأ بهدا المعنى بعينه او قد يجد نظيرا له في اشعار القدماء ويقول متى انصفت علمت ان اهل عصرنا ثم العصر الذي بعدنا اقرب الى المعذرة وابعد عن الذنب لأن من تقدمنا قد استغرق المعاني و سبق اليها وأتى على مضمونها وإنما يحصل على بقايا أما ان تكون رغبة عنها او الاستهانة بها او لبعد مطلبها واعتياص مرامها وتعذر الوصول إليها ومتى اجهد احدنا نفسه و اعمل فكره واتعب خاطرة ذهنه في تحصيل معنى يظنه غريبا او نظم بيت يحسبه فردا مخترعا ثم تصفح عنه الدواوين ليعرف انه قد سبق إليه ولم يخصه هذا البيت او ان يجده بعينه او يجد له مثالا بغض النظر من حسنه.