متكأ قلم .. عفواٌ : معك فيتامين واو

نتفق جميعا في عالم الصحة و التغذية على فوائد الفيتامينات على جسد الانسان وانها علاج ناجع لتقوية مناعة الجسم وقد يفيد بعض الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية والفيتامينات منها مركبات طبيعية ومنها المٌصنع من النباتات والحيوانات
ولكن للأسف هناك ( فيتامين واو) فيتامين غير صحي والذي تتغلب اضراره على منافعه على الإنسان و التي مركباته أصبحت بيد من اتخذوا القرار لتحقيق مصالحهم الشخصية
واتخذوا معيار القرابة والصداقة فوق معيار الكفاءة والمؤهل العلمي (فيتامين واو )فساد مازال خفي ينخر في الكيان الوظيفي
فيتامين واو ثقافة اجتماعية أصبحت جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي و قد سببت في ردة فعل مغايرة لواقع كثير من الذين بذلوا قصارى جهدهم لتحقيق أحلامهم المستقبلية في الحصول على وظيفة العمر .
فأصبح يُنظر إلى المؤهلات التعليمية نظرة ثانوية في قرارات التعيين وأن صاحب الواسطة هو من سيفوز بغنيمة الوظيفة
فيتامين واو أصبح يحتاج لفيتامين مناعي حتى يتعافى ويقوم بدوره الإيجابي عند كثير من الخريجين والخريجات.
واليكم هذه القصة الواقعية :
انتهى شاب طموح من دراسته الجامعية وكمثل كل شاب يطمح بالوظيفة ساقه القدر الى احدى الشركات لتقديم أوراقه وما ان وصل للاستقبال وقدم اسمه وطلبه عند موظف الاستقبال وماهي الا ثواني معدودة إلا ويٌنادى عليه وكان مسروراٌ من سرعة قبول طلبه ومضى مع موظف الاستقبال بكل حفاوة الى مكتب المدير العام وقابله المدير بترحاب وقد رسمت على محياه ابتسامة عريضة .
وقدم له ضيافة غالية الثمن ومازالت علامات التعجب امام عيني الشاب الطموح وعلى عجل سأل الشاب المدير هل قد وصل لك الملف الخاص بي فرد المدير بكل ثقة أنت ابن فلان ما يحتاج ملف، وقد تم الاتصال بي فرد الشاب : لا أنا فلان ابن الفلاني ولم اطلب من أحد يتصل بك ,فرد المدير بأحرفه الصادمة إنني أتأسف منك لأني كنت انتظر ابن فلان الفلاني فقد تواصل بي شخص وسيرسل لي شاب للوظيفة المطروحة قال الشاب إذا ما العمل هل ممكن قبولي بدلًا من فلان الفلاني فمؤهلي مٌناسب لشروط الوظيفة
رد المدير بكل ثقة للأسف لا .. فإنني وعدت بتوظيف فلان ابن الفلاني والأن أعتذر منك، ارجع للاستقبال وقدم طلبك (ملفك) من جديد وفي حال الحاجة لك سيتم التواصل معك ولكن خرج الشاب وهو يردد هيهات هي محجوزة لابن الفلاني مسبقاُ فغادر وغادر معه أحلامه أدراج الرياح وبالتأكيد قد حصل عليها فلان ابن الفلاني.
ما أردت توضيحه من سرد هذه القصة المؤلمة التي هي قصة كل باحث عن العمل ومعاناة كل شاب وشابة حديثي التخرج عند التقديم للوظائف, للأسف هؤلاء كلهم واصلوا دراستهم ونالوا اعلى الشهادات ورغم ذلك وقف فيتامين واو حائلاُ دون الوصول لتحقيق أهدافهم ومستقبلهم الوظيفي
ومن وجهة نظري فإن تفشي هذا الفساد المجتمعي الذي كان خفياٌ اصبح الآن هو السائد وأصبحت عبارة (معك فيتامين واو!!!! ) , ( انت من طرف من ؟؟؟)هي اللغة المسيطرة على ألسن كل مسؤول
فيتامين واو اصبحت أضراره النفسية مدمرة و والتي باتت اثارها تتضح على حياة كثير من الخريجين والباحثين عن العمل
وهذا ما أكدته لي احدى القريبات مؤخراٌ وهي خريجة هذا العام 2021 من توظيف صديقة لها عن طريق ( فيتامين واو ) وهي حديثة تخرج مثلها ومن نفس الدفعة 2021 !!!!!!!
اعزائي القراء : سأذكر لكم بعض الأثار والعواقب من جراء تفشي ظاهرة الواسطة ( فيتامين واو ) ومنها على سبيل الذكر لا الحصر كالتالي
*-أصبحت الوسيلة الوحيدة وراء الحصول على وظيفة هي البحث عن الواسطة وليس البحث عن المكان المناسب التي تتناسب مع مؤهلات وكفاءة المتقدم .
*- انتشار التواكل على الغير بين الباحث والخريج لأنهم اعتمدا على من سيوفر لهم الوظيفة بدون عناء وخاصة بأنهم أصبحوا يسمعون ما يتردد بين العامة ( ابحث لك عن واسطة ( لن تعمل بدون واسطة)
*- انتشار هذه الظاهرة ( فيتامين واو) أصبح سبب في ضياع الكفاءات الوطنية وهجرتهم خارج الوطن عندما يجدون مَن هم أقل منهم كفاءة ومؤهلات يحصلون على فُرَصٍ ومناصب دون وجه حقٍّ
*- تفشي تغليب المصالح الشخصية ومنها توظيف القريب والصديق في الأوساط الإدارية نتج عنه الفساد الإداري لآن من حصل على الوظيفة لا يعلم مفردات هذا العمل من الأساس ولو بحثنا بيننا لوجدنا منهم بمؤهلات علمية ضعيفة وقد يكونون بلا شهادات من الأساس و تغليب سياسة ( المدير قريبي).
*- لابد أ نعي بأن تغيير القوانين والأنظمة بما تتماشى مع المصالح الشخصية سيؤثر سلباٌ على الحياة الاجتماعية والاقتصادية وعلى جميع الموظفين والباحثين عن عمل .
*- من الآثار السلبية نتيجة تفشي الواسطة هي ضَعف أداء ونقص الإنتاج الوظيفي للمؤسسات وعدم الاهتمام بالجودة المطلوبة.
*- من مساوئ انتشار الواسطة ( فيتامين واو) ضعف الأداء الوظيفي والقيام بالواجبات المناطة بأمانة واخلاص لأن الموظف حصل عليها على (طبق من ذهب)
*. بسبب الواسطة يتبع كثير من الرؤساء والمسؤولين سياسة التمييز بين الموظفين وهذه من عواقب انتشار الظلم وغياب العدالة في الكيان المؤسسي .
*- الواسطة لا يخفى عليكم آثارها السلبية التي امتدت إلى طلاب الجامعات الذين لا يرون في الاجتهاد العلمي طائل ، لاعتقادهم بأن الحصول على الوظيفة لا يرتبط بالأداء أو التحصيل العلمي العالي
بل( من معه فيتامين واو).
*- أدى انتشار ”الواسطة” إلى ارتكاب جريمة الرشوة لإنهاء المعاملات بسرعة بدون النظر الى العقوبة الإلهية
فعنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

قراؤنا الكرام:
يبقى السؤال: كيف يمكننا أن نقف وقفة مواطن واحد في صفاٌ واحد من أجل الحد من هذه الظاهرة الاجتماعية
اتمنى ان تكون الاجابة!!!!
و بصوت واحد
بتظافرنا جميعاٌ مع جهود الجهات المسؤولة وأجهزة الدولة ومحاربة الفاسدين لاحقاق الحق ومن أجل فرض العدالة الذي هو حق لكل مواطن ومواطنة.
ومن الحلول الناجعة مع المؤسسات وخاصة قطاع التعليم الذي يقع على عاتقه المسؤولية الكبرى في تنشئة النشء وذلك من خلال تطبيق مناهج تعليمية علمية توضح قيمة النزاهة وأخلاقيات العمل وكيفية حفظ المال والنفس العام والخاص وأنه واجب وطني المحافظة على ممتلكات وطنهم
.وما يثلج الصدر مما نقرأه هو ما تم تداوله في وسائل التواصل وذلك من خلال رؤية الدولة أعزها الله لعام 2030
والتي لا تقبل على الاطلاق الفساد بجميع اشكاله وانواعه وتشديد انظمة العقوبة والتي أعلنها صانع التغيير والاصلاح (سيدي محمد بن سلمان بقوله لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد أيا من كانوا و لن ينجو سواء وزير أو أمير )
وأنشئت بذلك الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد “نزاهة”، وكان دورها فعالٌا في محاربة الفساد المالي والإداري وفي متابعة المتعاملين بالواسطة واللذين استغلوا نفوذهم الوظيفي في ظلم الآخرين واستغلالهم ثروات وممتلكات الدولة، وهذا ما أكدته رؤية المملكة 2030 على سيادة القانون، وتوظيف الشخص المناسب في الوظيفة المناسبة، تحقيقاٌ لسياسة العدالة والمساواة بين المواطنين وأيضاٌ إتاحة الفرص الوظيفية لجميع أفراد المجتمع بدون تمييز أو استثناء.

وختاماٌ ؛ نسأل الله أن يحفظ وطننا من الفاسدين والعابثين في أمنه ويسدد خطى قيادتنا في كشف المفسدين واجتثاثهم من هذه الأرض الطاهرة، وأن يجد شبابنا الطموح ضالته في أعمال وظيفية بعيدة عن المحسوبية والواسطة من اجل كسب عيشهم وحياة مستقبلية مزدهرة .