تصرفي كامرأة

الكاتب / إلهام الجعفر الشمري  

كاد حلق التمرد أن يجف لتستجلب المرأة لنفسها حرية خاصة . ذلك النوع من الحرية الذي يكسر رأس المجتمع والرجل وكلاهما كانا قد أسرفا في تحقيرها كمخلوق كون أقصى ماتستحقه في نظرهم الرفاهية والركون لتربية الأولاد وإعالة الزوج معنوياً ونفسياً وإكفائه من احتياجاته الخاصة . وكونها كانت شريكة الجدران في المنزل فكان العقل والحكمة والقوة الذاتية حكراً على الرجال، وكانت هي تتلقف مايُلقى إليها في صورة فاخرة تشعرها بقيمة الجدران ونعومتها.
تلك الصورة التي ترسخت في عقل الكثيرات حينما طالبن بالحرية الكاملة وتساوي الحقوق مع الرجل . وفي فوضى الصورة المقلوبة من الصعب أن ترى مافيها من مزايا ولايمكن لومهن على ذلك، فالمنظومة الاجتماعية بكاملها ( وليس الرجل فقط) أسهموا في تنميط هذه الصورة لدرجة أصبحت بعض النساء اللواتي يحترمن عقولهن وكينونتهن يرون في ذلك تهميش وتعطيل وتشويه للإمكانيات العظيمة التي يملكنها. وبهذا ذهبن لمسار الحرية واثقات، غير أن بعضهن بالغن كثيراً في تحطيم ذلك الاطار لدرجة نسيان أمور عظيمة ميز الله بها المرأة . بالغن في تغيير الشكل الأنثوي إلى عكسه. بالغن في إظهار لغة جسد تتناسب والمظهر الرجالي الجديد لهن . بالغن في احتراف مهن لاتتناسب حتى وقدراتهن الجسدية . كان ذلك يشكل لهن الثورة الكاملة على القوالب القديمة.
أحب النظر لحرية المرأة كونها رائعة حين تخطط وتوازن الأمور وتدير العقول والقلوب في موقعها كقائدة. أحب النظر لحريتها حينما تقف على تل نجاحاتها بقوة صمودها وفي نفس الوقت حفاظها على ساحتها العظيمة بين أبناءها. أحب ماأراه في سيدات صنعن التاريخ الخاص بهن في شتى العلوم ولم يفقدن عذرية وجمال أنوثتهن وقوتهن في مشاركة أزواجهن مسؤوليات الحياة ،وهن يعملن لأجل قيمة يقدمنها وليس لأجل أبواب يكسرنها ويقتحمن فيها معاقل الرجال .
ولا أرى قوة في المرأة التي تسند كفها بجانب كف الرجل لتثبت له استحقاقها وكأنها كائن ضعيف بحاجة لإثارة الانتباه لدرجة تحول حلم الحرية إلى محطات اختبار تشد عضلاتها فيها لتخبر كل من حولها أنها قادرة . بعض النساء استنسخن مخاوف بعضهن البعض وتحولن لمجرد صورة معكوسة لمرآة الرجل الذي يرى ( وأقول البعض منهم) بأنها غير جديرة لنقص عقلها وقدراتها الجسدية . وهكذا أصبح نطاق التمدد في طموحاتهن إثبات أهليتهن، فَضَعُفَ عند بعضهن حبل الطاقة من شدة اللهاث نحو ذلك الهدف ، ومعه ضاعت هوية خاصة جداً( الهوية التي وهبها إياها الخالق بدون عناء) فلا هي استطاعت أن تكون مثل الرجل، ولا عرفت كيف تعود لما كانت عليه بعد أن استعبدتها أزماتها النفسية مع قوتها . لم يعد البنطال مجرد رداء بل أصبح قرين بعض الغلظة والترنح في مسؤوليات كثيرة مازالت تكبس فوق عنق كينونتها كامرأة حتى أنها لم تعد ترى ضرورة من التباس قوتها بخشونة أفكارها وبين جمال الأصل الذي ميزها به تكوينها.
والأصل الثابت هو أن صلابة العود وحدة أطرافه لاتعني بالضرورة بأن يكون للمرأة نظرة مُسيجة بملامح الرجل . بل أنني أجزم بأن تصرفها كامرأة يُميز نتاج فكرها وأعمالها وبصمتها ، وهو ماتحتاجه أي امرأة في الأصل . والعكس يزيل من ملامحها آثار ذلك التميز لأنها لاتشبه نفسها .
كان من الأولى لمن امتشقن سيف الحرية بكساء الرجل أن يعلمن بأن لاشئ سيمثل لهن قيمة وهن يسعين نحو صورة جنس آخر ويتجاهلن قيمة وروعة مايملكن.
لي الحق أن أكون قائدة وصانعة فكر في أي مجال ، ليس لأني أزاحم أحداً بل لأني أفتخر بكينونتي كامرأة وأرغب أن يرى الآخرون ماسأحظى به من تشريف وعلو ، لكن بنسختي الخاصة . تلك امرأة واعية تتحدث . تلك امرأة واعية احترمت روعة ماتملك . تصرفي كامرأة فالرجل بحاجة في هذا المجتمع لشريكة تكمله ولا تشبهه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى