من عرفات .. فِتية الكشافة رمز العطاء

تكبير الخط ؟
في أوج الظهيرة على صعيد عرفات، كان مشهد الرحمة يمشي على قدمين يرتدي قبعة كشفية، ويحمل مظلة تظلل حاجًا مسنًا أو يسند ذراع حاج أنهكه التعب أو يدفع عربة تحمل أمًا مُسنة تلتمع دموعها امتنانًا.
هم فِتية الكشافة من معسكرات الخدمة العامة التي تقيمها جمعية الكشافة العربية السعودية، ممن نذروا يومهم لخدمة ضيوف الرحمن، وغرسوا أعظم المعاني الإنسانية في أرض الطهر.
ففي أحد شوارع عرفات، كان الكشاف “سلمان” ابن الثامنة عشر عامًا، يتصبب عرقًا بينما يدفع عربة حاج باكستاني مُقعد بعد أن ضل عن مجموعته، لم يفهم لغته، لكن إنسانيته كانت كافية لتوصله إلى مخيمه بعد ساعات من البحث، وهناك، انهمرت دموع الحاج ودعا له بجنة الفردوس، فابتسم سلمان وقال: “أنا أبحث عن هذا الدعاء منذ الصباح”.
وفي زاوية أخرى، كان الكشاف “عبدالله” يُظلل بمظلته على امرأة مسنّة من ماليزيا، بينما كان صديقه يرش رذاذ الماء ليخفف عنها حرارة الشمس, يقول عبدالله: “كأنها أمي لا أستطيع أن أتركها تحت الشمس وحدها”.
أما “فهد”، ذو الثمانية عشر ربيعًا، رأى حاجًا يكاد يُغمى عليه قرب الشارع، فاستدعى الإسعاف ورافقه حتى تم نقله إلى المستشفى، ولم يغادر حتى اطمأن على صحته، وعاد بعدها إلى ميدان الخدمة، وكأن التعب لا يعرف طريقه إليه.
لم تقتصر جهود الكشافة على الإرشاد أو التوجيه، بل اتسعت لتشمل مبادرات إنسانية تلقائية، كحمل عبوات المياه، ومرافقة كبار السن، وتقبيل رؤوس الحجاج الذين يسألونهم الدعاء، أحد الحجاج قال: “لم أر في حياتي شبابًا بهذا النُبل كأنهم ملائكة في زي الكشافة”.
هؤلاء الشباب لم يذهبوا للحج، ولكنهم عاشوا فيه, لم يلبّوا النداء بصوت، ولكنهم لبّوه بأفعالهم, وقدّموا لنا في هذا اليوم العظيم دروسًا في الإنسانية تتجاوز أعمارهم.
جمعية الكشافة، من خلال معسكراتها، لم تُخرج مجرّد مرشدين؛ بل صنعت سفراء للقيم، وجنوداً للرحمة، ومشاعل هداية على صعيد عرفات.