قيمة الانعكاس

تراكم الخبرات وقوة القصص الواقعية التي كونتها التجارب اليومية تظل هاجس لأولئك الذين لايرغبون أن ينقطع أثرهم بعد انتهاء عملهم النظامي . تلك الفئة من الناس تعلم بأن ماسعت بقدراتها ومهاراتها لبنائه سيئول يوماً ما لجيل لاحق. هم يدركون قيمة محصول السنوات في إنبات بذور جديدة تتغذى على التطور لكن تظل في حاجة لقيمة تجارب الآخرين.
سألمس اليوم جانباً مهماً من حياة المتقاعد ولا أتحدث عن أي متقاعد. فبعضهم لايكتفون بالتوقف عن سيرورة العمل اليومي، بل يبحثون عن سبل لنشر وتعليم وتدريب ماسبق أن تعلموه وعملوا به. وهذه رسالة سامية لاشك. لكن الجانب الأكثر أهمية هو ماالذي سيفتقده هذا الشخص وبحاجة لأن يجعله يتحرك بسرعة تشبه سرعته في بداية وأثناء حياته العملية طوال السنوات الماضية؟
هذا الأمر والذي يعتبر جانب مهم في مشاعر المتقاعد يحتاج لأن يملأه ويشبعه ويعتبر حافز قوي هو في حاجة إليه ، وهو ذلك الأمر الذي سيجعل كل ماسيسعى إليه ذلك الشخص موقوداً بالثبات والالتزام. هذا الأمر هو مانسميه الانعكاس أو Reflection.
الانعكاس أمر مرتبط مباشرة بالحاجة الطبيعية في الإنسان إلى التقدير وتلمس أثر مايقوم به على الناس. هذا الجانب النفسي المهم تم إشباعه خلال سنوات العمل وكان له أثر في تطويره وإبداعه وهو نفسه سيكون له دور كبير في تغيير سياسة الفرد مع إنجازاته السابقة وكيفية تحويلها إلى علم نافع طويل الأجل >كل ذلك إن تم التعامل مع تلك الحاجة بعد التقاعد بشكل إنساني وذكي.
كنت أستمع لعقلي وهو يتأمل في تلك الحاجة وافترضت بأن عدم وجود هذا ( الانعكاس ) في حياة الشخص المتقاعد يجعله مماطلاً بروح خاملة ركنت إلى الراحة. فما الذي يهيئ حدوث هذا الانعكاس ؟
لنبسط الموضوع بشكل أكبر حينما نسأل سؤال مباشر .. كيف يمكن أن أشعر بالتحفيز والتقدير من الآخرين وأنا أقم بعملي من المنزل ؟
لعل جائحة كورونا كان لها دور كبير في تطوير هذه العملية التحفيزية إذ أن معظم الناس لفترة كانوا يقومون بعملهم من منازلهم ولم يشكل ذلك عائقاً . أما مايحتاجه المتقاعد فهو أن يعلم من هي الفئة المستهدفة التي يريد توجيه خبراته لها، ولاشك ستكون الفئة التي تهتم بما يقوم فعلياً بعمله . فلا يمكن أن تكون معلم وتقدم خدماتك لفئة مهتمة بالهندسة ، أو طبيب وتقدم خدماتك في أعمال البناء. ورغم تلك الحقيقة يوجد أشخاص قاموا بتأسيس مجالات للعمل جديدة كانت ضمن شغفهم ومنعتهم الحياة العملية ومتطلباتها من القيام بها. مثل ذلك المهندس الذي فكر بافتتاح مقهى يقدم فيها أنواع من الشوكولاتة التي يعشقها وتحقق له الرضا النفسي لقيامه بأمر يهواه وتجعله متواصلاً بشكل مختلف لكن قوي مع الفئة التي تعشق منتجاته وبهذا فإحساسه بالتحفيز والتقدير الذاتي ظل قائماً.
هناك أشخاص وجدوا سبل أخرى مثل توثيق خبراتهم في كتب وهو أمر يحتاج للكثير من الجهد والتركيز لكنه من الوسائل الرائعة لترك أثر . ومهما كان نوع العمل الذي ستختاره فإن الأهم هو أن تتخيل بأن تجمع كل خبراتك في سلة ثم تبدأ في التركيز على الطرق التي يمكن أن تستثمرها فيها. وليس من الضروري أن تشبه أحداً في ذلك فكل إنسان بمايقدم بشغف وحب قادر على ترك بصمة خاصة به. ولاتنسى بأن هذه الأعمال الخالدة هي التي لن ينقطع بسببها عملك في الدنيا ولا الآخرة.
يبقى أن نعي بأن هناك أشخاص حولنا يمكن أن يقدموا لنا الاستشارة المناسبة لنعرف منها نقطة البداية ومجرد الحديث معهم سيجعلك قادراً على فهم ذاتك واحتياجاتك فقط فرغ نفسك لمناقشتهم واستمتع بفترة في حياتك يجب أن تكون أجمل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
@elhamaljaafar