حلم

بقلم / حمود الصهيبي  

أنا في مهرجان ثقافي كبير. ترصع لوحة إعلانية صدر البهو الواسع. اقتربت ودققت في برنامج المهرجان. في إحدى القاعات تقام ندوة ثقافية. جلست في أحد الصفوف. لم أعرف المحاضرين ولا رئيس الجلسة. نظرت حولي، فلم أعرف أيضا أحدا من الجمهور.
سألت رجلا بجانبي: “متى بدأت المحاضرة؟”. فأجاب بلا مبالاة: ” لا أعلم!”.
لم أصغ إلى المحاضرة جيدا؛ إذ إن تساؤلات جمة قد اجتاحت ذهني: “أين المثقفون والأدباء والجمهور؟ لماذا يحضر هذا الجمع من الجمهور غير الناطق بلغتنا العربية؟”.
جال بصري في أرجاء المكان وفيمن حولي، والحيرة تتناهبني. سمعت صوتا قادما من خلفي يجيبني عن تساؤلاتي، مع أنني لم أنطق بكلمة، وكأن المجيب غاص في أعماق عقلي واكتشف ما أفكر فيه. قال: ” هذا الجمهور مستأجر، وكذلك المحاضرون. جميع من هم هنا لا علاقة لهم لا بالأدب ولا بالثقافة”.
استدرت نحو مصدر الصوت، فلم أجد أحدا. كان الصوت هامسا ولكنه واضح وجدي تماما.
داهمتني التساؤلات ثانية: “أين المثقفون والشعراء والأدباء في مدينتي التي تعج بهم؟ أين هم في هذه المحافل؟”.
عاد الصوت ثانية من الاتجاه نفسه، ولكنه هذه المرة كان ساخرا متهكما ويشوبه حزن شديد: ‘زمار الحي لا يطرب. لا تلم أصحابك؛ فالأندية الأدبية والجمعيات الثقافية والهيئات الأدبية الرسمية لا تستوعبهم، فكان لا بد من بديل، كما ترى”.
استيقظت على صوت رنين جوالي، وقد تلاشى الصوت الآخر، وتبخرت القاعة وجمهورها ومحاضريها.
نظرت حولي، فرأيت طاولتي ومكتبتي المتباهية برفوفها المزدانة بالكتب الثمينة. أدركت أنني كنت أحلم. تمتمت مرددا بلهفة: ” هذا حلم، حلم، حلم”، وكأنني أردد تعويذة لإبعاد خطر مميت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى