التنمر الزوجي

بقلم / إلهام الجعفر الشمري  

تحديد قيمة الشخص لاتعتمد على تقييم آخر له بقدر ماتقوم على تحديد قيمته أمام نفسه . لكن أمية تقييم الذات قد لايشعر بها البعض إلا عندما تصطدم في حياته مواقف لم يكن مستعداً لها وقد يقوم بها أشخاص قريبون جداً ، وقد لاتكون في الأساس تحت بند الإساءة في نظر أحدهم.
والتنمر يعتبر شكل من أشكال الإساءة ، والتنمر بمفهومه البسيط يعني السخرية واستنقاص من طرف لطرف آخر بقصد إشعاره بالضعف وكسر روحه. وللتنمر أشكال عديدة لكننا اليوم سنركز عليه حينما يحدث بين زوجين ويكون سبباً في تعاسة أحدهما وقد يفضي إلى انتهاء تلك العلاقة أو قد تذهب لأبعد من ذلك في ارتكاب حماقات تؤذي الطرفين.
التنمر الزوجي خطير إلى حد كبير وأتذكر إحدى تلك القصص التي سمعتها حينما كان الزوج يتعمد التقليل من قيمة أفكار وتصرفات زوجته أمام أقاربها وبعض الأشخاص في محيطها . كانت الزوجة في البداية تعتقد بأن المسألة مجرد ضغوط عمل تجعل من تصرفات زوجها هجومية . كانت في كل مرة تحاول رغم الضيق الكبير الذي تشعر به أن تجتهد في تهدئته أو على الأقل الصمت المحرج . حتى بدأ الأمر يتزايد لدرجة وضعها في شبه عزلة تامة عن من حولها مع حصارها في نظرة دونية لذاتها وأمام أبنائها . مع الوقت بدأت مشاعر الشفقة على زوجها تتحول لحنق وغضب وكره .
التنمر في شكله يمكن أن يكون كلمات أو سلوكيات جارحة وهي تعبر عن رغبة الطرف الأول في أذلال أو تقليل من شأن الطرف الثاني. فما السبب في حدوث ذلك!!
الأسباب كثيرة وتعود لطبيعة العلاقة بين الشخصين وكيف بدأت . فالبعض يتزوج بدون رغبة حقيقية في شريكه ، والبعض يكتشف متأخراً بعد الزواج أمور لم يتوقعها ولايستطيع التعايش معها . وهناك بعض الحالات يكون أحد طرفيها لديه مشاكل سلوكية كالعصبية ، الشخصية الضعيفة ، الغيرة ، عدم الثقة بالنفس ، الشعور بالفارق الاجتماعي أو المادي وغيرها . ومعظم تلك المشاكل تترجم نفسها في سلوكيات الزوج أو الزوجة فيصب ذلك في طريقة التعامل . الأمر الأصعب هو أن لايعترف المتنمر سواء زوج أو زوجة بتلك المشاعر ويظل مستمراً في ممارسة سلوكه القاسي حتى يصل لمنحنى تنتهي فيه الحياة الزوجية بأسوأ طريقة حتى لو استمرت ظاهرياً . والأكثر ألماً أن يترك ذلك أثره على الأبناء فهي صورة شبه يوميه يظهر فيها أحد الأبوين ضعيفاً مهزوماً، والآخر قاسياً متسلطاً وكلاهما انعكاس سلبي على نفسية الأبناء على المدى البعيد ويؤثر بشكل كبير في امتصاصهم وتخزينهم للمواقف التي يتعرضون لها .
فماذا عن الأهل ؟ ذلك أمر آخر ، فإن لم يتدخل الطرف الأكثر اتزاناً في محاولة تفكيك المشكلة وعلاجها أو مساعدة أحد الأطراف فوضع الارتباط يستمر في الهشاشة إلى مالا نهاية .
وماذا عن المساعدة الخارجية كالأخصائي النفسي ومايشبهه ؟ تلك قناة أخرى لن يذهب نحوها سوى أشخاص ناضجون يعلمون بأنهم بحاجة للدعم . وبينما تظل الحلول شبه قاصرة إلا أن المخرج الوحيد يكون عادة في انتفاض تلك العلاقة عن بكرة أبيها وذلك باختيار الطرف المهزوم التمرد على ذلك التنمر من خلال صحوة ينبش فيها الآثار السيئة التي حاصرته خلال شهور أو سنوات محاولاً اتخاذ موقف صارم نحو مايتعرض له من أذى . وقد لايستطيع هذا الطرف فعل ذلك وحده ، والقيام بتلك الخطوة بدعم من آخر أو آخرين مهم جداً ليتمكن من كسر ذلك القالب الذي وضعه فيها المتنمر . هذا يحدث بإظهار الاعتراض وإيقاف سيل الأذى والتعبير عن الرفض باستمراره. ولكي يكون ذلك الرفض مُعلناً لابد أن يصحبه قوة داخلية تساعد على استمرار جذوته لأن الشعور بالانهزام في منتصف الطريق يجعل الأمور تذهب لما هو أسوأ.
على الطرف المُهان أن يدرك بأن له حقوقاً من الاحترام والتقدير لابد أن ينالها ، ولا يحدث ذلك لمجرد التعاطف بل للاستحقاق الذي يملكه كانسان له مشاعر وكيان. فإن لم تكن الحياة معبر للحب والاحتواء والاهتمام فلن يكون لأي أمر آخر مهما كانت قيمته المادية قيمة. فالمتنمرون لايبصرون مايفعلون ، إنهم بما في داخلهم من نقائص يمارسون شرورهم بضمير مرتاح.
على الجانب الآخر فالمُتنمر إنسان مريض ويحتاج لعلاج سلوكي ونفسي ليتمكن من الخروج من حالة الفوضى الذاتية التي يعيشها والتي تدفعه لإتعاس من حوله . وقد يدفع الحب في الوعي بما يحتاجه ذلك الشخص ويساعد في تغييره ، غير أن ذلك يحتاج لصبر واحتواء كبيرين .
أخيراً … قد تبدو الحاجات لدى كل منا معقدة ومتشابكة، ورغم ذلك فسكون الأصوات المزعجة في أرواحنا لسبب أو لآخر بقوة من الله وحوله هي وسيلتنا للبقاء وإحياء الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى