استباحة الكاتب

بقلم / حمود الصهيبي  

جميل أن يسوِّق الكاتب لكتابه باعتباره سلعته التي ينتجها ويقدمها إلى الآخرين، ولا أرى أن في الأمر عيباً، فهو حق مشروع له من أجل نشر نتاجه. ولكن الغريب أن يسوّق الكاتب لدار النشر وليس لعمله، حيث يحضرونه لتوقيع كتابه وتسويقه لهم، ومن المفترض أن تكون الدار هي المعنية بالتسويق للكتاب، وذلك بناء على العقد الموقع بين الدار والكاتب. العقد شريعة المتعاقدين، وهي قاعدة قانونية ومبدأ أساسي في القانون المدني.
إن 99% من الكتاب يدفعون تكاليف الطباعة، وتقوم دار النشر قبل التوقيع بترغيب الكاتب لدرجة أنها تقدم له القمر بيد والشمس باليد الأخرى. ويظن المسكين إنه سيجني أرباحاً تغنيه. وما إن يتم توقيع العقد، فإن كل البنود المتفق عليها تذهب أدراج الرياح -وهذا بالتأكيد لا ينطبق على كل دور النشر، فهناك دور تلتزم بما جاء في نص العقد- ومن ثم تشاركه الدار في التوزيع، علماً أنها أخذت نصيبها من الطباعة، مع أنها -أي الدار- لا تمتلك مطبعة، وإنما تقوم بدور “سمسار غير أدبي” أو تاجر، والتاجر لا يعول عليه. ويقوم هذا السمسار بالتفاوض مع الكاتب ويعطي المطبعة النزر اليسير ويأخذ الباقي، ويبقى الخاسر الوحيد في هذه الصفقة هو الكاتب.
وعلاوة على ذلك، فإن الكاتب لا ينال نسبته المتفق عليها والتي هي من 15 إلى 20%، وإنما تذهب إلى الدار التي هي المستفيدة الوحيدة. حدثني أحد الأصدقاء أنه بعد سنتين على طباعة كتابه – وهي مدة العقد – أخبرني الدار أنها لم تبع نسخة واحدة، رغم أنه سوّق لها أكثر مما ينبغي، وقام بواجبه على أكمل وجه. سألته: “كم نسخة طبعت؟”، فأجابني: “ألف نسخة، وزودوني بخمسين نسخة للإهداءات، وعرضوا مثلها في معرض الكتاب. فقلت إنه يجب عليّ أن ألغي العقد وأطالب الدار باسترجاع النسخ التي يقولون إنها غير مباعة. وبعد إلحاح واتصالات لم أصل إلى نتيجة”. ويتابع الكاتب بأنهم لم يعودوا يردون على اتصالاته، وانقضت سنة على هذه الحال، فاضطر إلى التهديد بتقديم شكوى على الدار. فما كان من موظف الدار، إلا أن أرسل له 900 نسخة. ثم ذهب الكاتب إلى الدار وطلب الخمسين نسخة التي أخذوها في البداية وعرضوها في المعرض. ويقول الكاتب: “كان ظني في محله؛ إذ وجدتُ اختلافاً في الطباعة ونوعية الورق، وعرفت أن الدار لم تطبع سوى 100 نسخة، وأما العدد الباقي فقد تمت طباعته بعد مطالبتي لهم والتهديد بتقديم شكوى”.
يحدث هذا مع الكثير من الكتاب الذين لا يطالبون بحقوقهم ويذهب تعبهم سدى. وهكذا تكون الدار قد ربحت وخسر الكاتب، وهذه بعض حيل دور النشر. سألته: “كم عدد النسخ التي طبعتها الدار؟”. قال: “اتفقنا على ألف نسخة، فطبعت ألف ومائتي نسخة”. وتابع بأنهم اقترحوا عليه أن يبيعوا النسخة بسعر 24 ريالاً، وأن يأخذوا نسبتهم من التوزيع والتي تقدر بـ 50%. قلت له: “أنت الخاسر الوحيد. فلو افترضنا أنك بعت الألف نسخة، وبحسبة بسيطة، ستكون قد جنيت 24000 ريال، وإذا أنقصنا منها قيمة الطباعة والتي هي 12000 ريال، فتكون قد جنيت ربحاً صافياً 12000 ريال. أما في حال أن الدار أخذت نسبة 50% من المبيعات فستكون خاسراً، لأنك أنت من دفع ثمن الطباعة. أنت الخاسر الوحيد، والدار هي الرابح الوحيد. وتعود أنت بخفي حنين. إذا تجاوزت طباعة الكتاب 15% من قيمته المقترحة، فأنت الخاسر. إن نسبة ٣٥% للموزع هنا أراها حلاً عادلاً للجميع”.
بعد تفكير في هذه المعضلة وجدت أن الحل من وجهة نظري هو:
النشر الذاتي مع سلبياته وإيجابياته. والمهم في النشر الذاتي أو الخاص هو أن سعر الطباعة يكون أقل منه في حال النشر في الدار، لأن الكاتب يذهب إلى المطبعة من دون وسيط. وهذا جيد نوعاً ما. وفي حال النشر الذاتي، لا يكون الكاتب تحت رحمة دور النشر، ويستطيع أن يشارك في أي معرض من خلال عقد توزيع مع دار نشر يحددها هو، ويضمن أن الكمية التي طبعها صحيحة.
أما في حال لجأ الكاتب إلى دار نشر، فيجب أن يختار أحد الحلول التالية:
أولاً: أن تشاركه الدار قيمة الطباعة والتوزيع، وهو حل عادل. بمعنى أنه إذا كلف الكتاب 2000 ريال، فعلى الدار أن تتحمل 1000 ريال، ويتم تقاسم الأرباح مناصفة.
ثانياً: أو أن يطبع الكاتب كتابه على نفقته الخاصة، وأن يتفق مع الدار أن تكون نسبته 65% ونسبة الدار 35%، وهي التي تتحمل الإعلانات والدعاية.
الحل الثالث: أن تتحمل الدار الطباعة، وتعطي الكاتب 35%.
وإذا طلبت الدار من الكاتب أن يقوم بحفلات توقيع لكتابه، فعليها أن تتحمل نصف مصاريف النقل والسكن.
الحل الرابع: هو النشر الإلكتروني، وهو مربح على المدى الطويل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى