آمنة العطاالله تكتب لـ “درة” | جيل رقائق الثلج

بقلم / آمنة العطا الله  

هل حدث أن جلست على كرسي خشبي في مكان عام وانكسر فور جلوسك عليه على الرغم من أنَّك خفيف الوزن وأنَّك جلست بطريقة هادئة؟ إذا كنت قد مررت بموقف مشابه أو رأيته فإنَّك على يقين بأنَّ المشكلة لم تكن في الشخص الذي جلس على الكرسي؛ بل تكمن في البنية الهشة للخشب الذي صُنع منه الكرسي، إنَّ هشاشة الخشب العائدة إلى تعرضه لصدمات سابقة أو إلى دودة تنخر فيه هي السبب أمام تداعيه وتحطمه.

إنَّ بعض البشر يتحطمون ويتداعون كهذا الكرسي تماماً، وبسبب مواقف بسيطة لا تستحق رد الفعل العنيف هذا، والسبب أيضاً هو ضعف بنيتهم النفسية أو ما يسمى بالهشاشة النفسية.

الهشاشة النفسية أصبحت تظهر بشكلٍ متزايد في عصرنا الحالي، ونتيجة تكاثرها لا سيما أنها زيادة جهل البعض في مدى تأثير البيئة المحاطة على تكوين شخصية الفرد، ومدى قابليته في تلقي الأزمات النفسية التي يتعرض إليها وثقته في ذاته، ومن مسببات تزايد هذه الظاهرة أيضًا هو ناتج جزء من المجتمع الذي ينخرط فيه الإنسان، والتي تتسبب في الضعف النفسي وزيادة تأثر الكثير من الأشخاص، وقلة الوعي في كيفية التعامل مع مشاعر القلق والحزن ومواجهة تحديات والصراعات النفسية تجعل الكثير من الأشخاص لديه تردد في زيارة المختص النفسي، نتيجة لقلة هذا الوعي والثقافة فيما يتعلق في الأمور النفسية، وأيضًا التخوف من ردة فعل المجتمع الذي يعيش به، وهذا أدى إلى المشاكل النفسية وسرعة الاستجابة للأمراض النفسية وقابلية الإنسان في اكتسابها.

لا يمتلك الأشخاص المصابون بالهشاشة النفسية نظرة إيجابية تجاه المنعطفات الحياتية، ولا يَعُدُّون المرور بها جزءاً لا يتجزأ من مسيرة عمر الإنسان يصقل مهاراته ويلقنه الدروس اللازمة لاكتسابه الخبرة؛ بل ينظرون إلى هذه التحديات نظرة تشاؤمية بحتة وكأنَّها أخطار محدقة بهم وتتسبب في نهاية العالم.

إنَّ الأشخاص المصابين باضطراب الهشاشة النفسية يمكن اكتشافهم من خلال ردود أفعالهم وتصرفاتهم في حال وقوعهم في أيَّة مشكلة مهما كانت بسيطة أو معقدة، وستظهر استجاباتهم على شكل انهيار تام واستسلام نهائي للتيار الذي يحاول أن يجرفهم دون أدنى مقاومة من قِبلهم وكأنَّهم كانوا ينتظرونه ليَدَعوا كل شيء ويستقبلوا القدر الكامن خلف الموجة العاتية بكل خنوع.

يتميز هؤلاء الأشخاص بتهويل الأمور وتحميلها فوق طاقتها والمبالغة في تصور حجمها؛ وهذا ما ينعكس سلباً على حالتهم النفسية، فنراهم منهمكين في أفكارهم ومشاعرهم السلبية وضغوطاتهم النفسية.

من تبعات إصابة الفرد بالهشاشة النفسية انعكاس ذلك على علاقته بالآخرين، فيتمسك بهم علَّه يجد التوازن بين نظرة تعقيد الأمور التي يمتلكها ونظرة السهولة عند الآخر، وإذا ما كان وحيداً فهو شديد الاستعداد للإحباط واليأس حتى في مواجهة أبسط التحديات.
أعراض الهشاشة النفسية.

إنَّ أعراض الهشاشة النفسية هي مجموعة العلامات التي تدل على أنَّ الشخص مصاب بهذا النوع من الاضطرابات النفسية، وتظهر هذه الأعراض بشكل جسدي ونفسي.

فيما يأتي أكثرها شيوعاً على الصعيد النفسي:

القلق والتوتر:
يبقى الأشخاص المصابين بالهشاشة النفسية في حالة دائمة من التوتر والقلق، وهذا يؤثر في تصرفاتهم فتبدو مترددة وغير متوازنة.
المبالغة في الانفعال.

من أعراض إصابة شخص بالهشاشة النفسية تعبيره عن انفعالاته ومشاعره بشكل مبالغ فيه، فهو يخاف حتى الذعر، وييأس حتى القنوط، وتصل جميع مشاعره الانفعالية إلى ذروتها القصوى خلال ثوانٍ معدودة مهما كان السبب بسيطاً.

لعلَّك صادفت كثيراً منهم عند بدء انتشار أخبار جائحة كورونا؛ أولئك الذين استسلموا للموت القادم ليحصد البشرية وتعاملوا على أساس أنَّ العالم سينتهي خلال ساعات قريبة.

قلة الثقة بالنفس والحاجة دائماً إلى وجود شخص داعم معنوياً:
إنَّ الأشخاص الذين يعانون من الهشاشة النفسية منخفضو الثقة بأنفسهم ولا يثقون بقدراتهم على حل أيَّة مشكلة دون وجود شريك أو شخص يساندهم، حتى لو كانوا قادرين على فعل كل شيء ببراعة فهم لا يشعرون بالأمان وحدهم.
ضعف تقدير الذات.

ويتمثل هذا العرض من أعراض الهشاشة النفسية على هيئة انعدام الشعور بنشوة النجاح ولذة الإنجاز والانتصار، فهؤلاء الأشخاص لا يكافئون أنفسهم على تسليم مهامهم في الوقت المحدد، ويَعُدُّون هذا الأمر من واجباتهم التي لا تستحق أي احتفاء خارج عن المألوف.
من الأعراض الجسدية للهشاشة النفسية نذكر ما يأتي:
الشعور بالضيق في الصدر والغصة في الحلق.
الإصابة باضطرابات الأمعاء.
ارتفاع معدل ضربات القلب.
الشعور بالإرهاق
الجسدي والإنهاك بعد أداء أيَّة مهمة منزلية أو مهنية مهما كانت بسيطة

طرائق علاج الهشاشة النفسية:
لا يُعَدُّ علاج الهشاشة النفسية أمراً مستحيلاً، ولكنَّه مثل كل العلاجات يحتاج إلى صبر وتعويد ومحاولة لاكتساب عادات جديدة في النظر صوب الأمور وتفسيرها وتحليلها وإدراك أسبابها ونتائجها؛ وذلك لأنَّ المصابين بالهشاشة النفسية يرون أنفسهم الأتعس حظا.

ثق بنفسك:
لو يدرك الإنسان كم هو عظيم تأثير الثقة بالنفس في حياته لاجتهد في تحصيل هذه الثقة وتمكينها، فيجب على الأفراد الذين يشكون في قدراتهم على حل المشكلات وابتداع الأفكار أن يتمعَّنوا في أنفسهم ويدركوا نقاط القوة والجمال فيها، ويجب عليهم أن يعوا أنَّ الخطأ والنقص من سمات البشر، فلا يوجد شخص كامل أو بلا أخطاء، وكل النماذج المبدعة التي يرونها أمام أعينهم ما هي إلا عينات من البشر احترمت حقها في الخطأ واستثمرته وتعلمت منه عبراً ودروساً ساهمت في تحسين جودة حياتها وأفكارها اليوم
ثق بقدراتك.

إنَّ اليقين بكفاءتك وكفايتك لأداء المهام المنزلية والعملية الموكلة إليك هو من أفضل طرائق علاج الهشاشة النفسية؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى لا يكلِّف نفساً إلا وسعها، ولو لم يجد فيك القدرة على احتمال هذا الموقف أو المصاب لما كان قد وضعك فيه، فهو جلَّ جلاله أرحم وأعدل من أن يرميك في خضم الموج دون أن يرشدك إلى طريق النجاة.

أنَّ المواقف الصعبة يراد منها إيصال رسالة للإنسان، ويجب على الإنسان أن يحاول في وسط المأزق الذي يقع فيه معرفة الرسالة المراد منه استلامها، وإنَّ تكرار المواقف ذاتها يعني أنَّ الرسالة لم تصل إلى الشخص أو لم يفهمها كما هو مطلوب.

إنَّ هذا الأسلوب من التفكير من شأنه أن يعالج الهشاشة النفسية، فبدل أن يضيع الإنسان وقته وعمره في الانهيار والانكسار، يسأل نفسه: “لماذا يحدث هذا معي؟ وما هي الأسباب؟ وكيف أجد حلاً لذلك؟ وما هي الرسالة التي يجب أن أتلقاها؟”.

تعلَّم الذكاء العاطفي
إنَّ التمتع بالذكاء العاطفي من شأنه أن يكون واحداً من طرائق علاج الهشاشة النفسية؛ كون مهارات الذكاء العاطفي تساعد الإنسان على تفريغ مشاعره وإدراك نفسه، فلا يصبح جوفه مستودعاً للتراكمات الشعورية والخيبات والسلوكيات المبنية على كبت المشاعر التي تنفجر دفعة واحدة في الوقت غير المناسب وبسبب موقف صغير لا يستحق.

إنَّ الهشاشة النفسية هي اضطراب يقوم المصاب به بالانهيار أمام أيَّة مشكلة تصادف طريقه بشكل غير واعٍ متناسياً أنَّ المشكلات والعقبات جزء من سيرورة الحياة الإنسانية، تبرز أعراضه النفسية على شكل قلق وتوتر دائمين واستعداد للتداعي في أيَّة لحظة.
يترافق بأعراض جسدية مشابهة لأعراض القلق من ضيق الصدر وخفقان القلب، وعلى الرغم من خطورة هذا الاضطراب على الصحة النفسية للإنسان إلا أنَّ علاجه يكون بتدابير بسيطة، ولعلَّ إتقان الذكاء العاطفي والثقة بالذات وبالله سبحانه وتعالى من أهم أركانه.

وأخيرًا:
علاج الهشاشة النفسية والتغلب عليها فهو سهل يسير، ولكنه يحتاج إلى إرادة ورغبة. ويتمثل العلاج في استحضار جانبين رئيسين في معادلات التفاعل مع الآخرين: أولهما الآثار النفسية والجسدية التي يعانيها صاحب المشكلة، والأخرى مدى السعادة التي تعود على الفرد حين يسمو (بتصدقه) على أخطاء الآخرين ورأب صدع العلاقات. وهناك أَمر آخر قد يساعد في التغلب على الهشاشة النفسية وما يعقبها من آثار، ألا وهو مبدأ المواجهة الإيجابية بالحديث عما يؤلم الشخص مع صاحب الأمر. هذه المواجهة (حين تخلص النوايا) يمكنها تصحيح الكثير من الأمور التي فسرتها الهشاشة النفسية أو تَلقِي اعتذار من صاحب الخطأ. فهلا ساعدنا أنفسنا بعدم استهلاكها بتلك الهشاشة؟

تعليق واحد

  1. كعادتك استاذتنا المتألقة ابدعتي في الطرح 👍وفعلاً يضعف ويفسد ابناءنا عندما نشكل قوالب التربية بمعتقدات مغلوطة ونغرسها فيهم وبالتالي يكتسبون هوية مشوهة وضعيفة هشة يسهل كسرها وقد يصل الامر الى اتلافها وضيعها لذلك علينا أن نفسح لهم المجال ليعيشو تجاربهم في ظروف الحياة بتوازن ويتحملون نتائجها بذلك ندعم بعون الله جيلاً يعيش حياته بفطرته السوية كما خلفها الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى