“أكثر من سلالم” للروائي يوسف المحيميد

بقلم / حمود الصهيبي  

أقل من متعة
يبدو أنه من المستحيل أن نقرأ نصاً في الدرجة صفر، أو أن نقوم بقتل المؤلف بدم بارد، كي ندخل نصاً حراً ومن دون أفكار مسبقة.
نحن هنا أمام نص فيه الكثير من المشاكل، أهمها الحشو والإطالة، والتناقض الذي يسبغ شخصيات الرواية، واللغة التي كانت تحتاج إلى انتباه أكثر واحترافية أكبر كي تصبح رشيقة ومتينة.
وبغض النظر عن كل ما سبق، فإن رواية “أكثر من سلالم” للروائي يوسف المحيميد، وبعد قراءتها، تجعلك تتوقف عند العتبة الأولى للنص أي (العنوان)، الذي لا يخلق أي إيحاء لما هو موجود داخل النص.
تبدأ الرواية بينما تكون رشا (الراوية الرئيسية) على متن طائرة بوينغ 777 منطلقة من الرياض، ومتجهة إلى كاليفورنيا، وتحدث نفسها: “وأخيراً فعلتها يا رشو يا بنت سعيد!”.
تصف رشا نفسها بالعناد والرفض والتمرد على والدها: “أنا لا أحب الرجل المتسلط أو المستبد”. وبينما هي تتابع السرد، لم يظهر أنها تمردت يوماً على والدها، إذ إنه “كان يدخل ويفتعل أي شيء للشجار.. كأن أجهز الغداء بدلاً من الخادمة، أو يجبرني على الذهاب لبيت عمتي”. (ص12).
إذا كانت مجبرة على كل شيء، وتنفذ الأوامر مذعنة، فلماذا تقول عن نفسها إنها عنيدة ورافضة؟ ولنتابع (ص13): “أصبحتُ قادرة على أن أجعل العالم كله يقف على قدم واحدة، أفعل ما يغضبه قصداً، وأختبئ في غرفتي بعد أن أرتدي ملابس ثقيلة تحت قميص.. لكنه يعود ويجلدني بالعقال وبالحزام أيضاً، حتى اعتدت الأمر، فلا أبكي أبداً.. أتركع يفعل ما يريد، ثم أدخل الحمام.. وأغير ملابسي ثم أخرج لأمي دون دمعة واحدة، بعد أن يكون قد غادر البيت. كنت شقية وشرسة أفعل ما أريد”. (ص13).
هذا تناقض وعدم انتباه من قبل الكاتب، فها هي رشا تقول إنها “تجعل العالم يقف على قدم واحدة”، وهذا كلام فضفاض ولا معنى له. أي عالم!! ذلك الذي تجعله يقف على قدم واحدة؟ ثم تتابع أنها تفعل “ما يغضبه قصداً” ولم تذكر لنا ما قامت به وما أغضبه، بل على العكس فهي تتهمه بأنه هو الذي يفتعل أي شيء ليغضبها ويعاقبها!! وفي الجملة التي تليها تقول إنها تختبئ في غرفتها وترتدي ملابس سميكة كي تتحمل الضربات المتوقعة والمعتادة من والدها بالعقال والحزام. وتعترف بأنها اعتادت الأمر، وتتركه يفعل ما يريد.
والمشكلة في الفقرة نفسها، أنها بعد كل هذا الخنوع تعلن أنها شرسة وشقية وتفعل ما تريد، مع أنها سلبية وخانعة وذليلة ولا تقوم بأي فعل سوى تلقي الضربات والإهانات. إضافة إلى أنها عندما فشلت في إقناع والدها بالسفر إلى الولايات المتحدة، حاولت الانتحار وفشلت. وهذا أكبر دليل على أنها انهزامية وليست كما تصف نفسها بالعناد والإصرار وما إلى ذلك.

لذة وعشق
تدخل رشا كلية الطب في جامعة الملك سعود، وتتعرف إلى عبد الإله زميلها في الكلية، وكان هذا “نجدياً وسيماً وجذاباً، وقادني إلى جنة العشق ومأوى اللذة”. (ص14). ولم يخبرنا الكاتب عن مأوى اللذة هذا، إذاً فهو لم يختر كلماته بدقة. وتتابع رشا: “بينما عبد الإله يتأمل عيني، ولم يكن جرب أن يقبّلني في فمي” (ص24) ثم يقبّلها ويقترب من زميلتها سامية ويقبّلها أيضاً في فمها، فيما رشا تقول له: “عادي، جرّب. أدري أنك تحبني” ثم تدفعه نحو زميلتها وتقول: “أكثر. أعرف أنك لن تستغني عني لو قبلت بنات العالم كله”.
هذا التصرف والكلام يتناقض مع مفهوم اللذة، وحتى مع قيم المجتمع الذي تعيش فيه رشا، والذي تصفه هي بالعالم البشع وغير الحر (ص25). وهذا الوصف (العالم البشع) يتناقض مع ما ورد في الصفحة 91 على لسان رشا وهي تدافع عن مجتمعها حين كانت تشرح لزميلتها كيت أن على المرأة المسلمة أن تحافظ على هذا الشيء، وأن هذا الفعل يعتبر حراماً”. وكذلك فإنه يتناقض مع ما ورد في الصفحة 105 حين تقول رشا عن كيت: “ربما ترى أنها حرة، تفعل ما تريد، ولا تفكر بعاقبة أي شيء، لكنني لست كذلك، لا أستطيع، هذه خطوط حمراء محفورة في وجداني، في طفولتي، يصعب القفز عليها”.
إنه تناقض خطير مع ما فعلته مع زميلها عبد الإله، ومن ثم مع سعود، بالإضافة إلى ادعائها بأنها عنيدة وشرسة وتفعل ما تريد، وفي الوقت نفسه تتحدث عن لخطوط الحمراء!!
وهنالك تساؤل آخر: أليست الموبقات واحدة، وغير محمودة؟ أليس الكذب أحد الموبقات؟ تقول رشا: “لم أعرف من قبل أن الكذب يحقق أحلامنا. لقد أتقنت الكذب رغماً عني، فالحاجة جعلتني كذوباً ومراوغة”. (ص114).

هشام وسعود وسارا
في كاليفورنيا تتعرف رشا إلى هشام ابن بلدها، ويقف إلى جانبها ويعتبرها أخته، ويقدم لها كل ما تحتاج إليه. يعرفها إلى أصدقائه وصديقاته، وكان من بينهم سعود، الذي تقيم معه علاقة حب، ويقطن في منزلها: “ومنذ تلك الليلة أصبح سعود ينام في شقتي. أجهز الحمام ليستحم، أعدّ له الإفطار، حتى تحولنا مع الوقت إلى زوجين فعلاً”. (ص176).
وهذا اعتراف من الراوية رشا بالعلاقة الزوجية، ولكنها في الصفحة 178 تقول: “وكان سعود رجلاً وفياً، ومحافظاً على ميثاقنا الأول بألا يحدث بيننا شيء ولو سطحياً”. وهنا مرة ثانية يقع الكاتب في سوء الوصف وسوء اختيار المفردات.
تتعرف رشا إلى سارا التي من أب سعودي وأم أمريكية. وسارا فتاة تركها والدها مع والدتها وعاد إلى بلده. لقد درس والدا سارا معاً بقسم الكيمياء، وعملا معاً، ومن ثم حملت منه بطفلتهما سارا، فغادر، وبقيت الطفلة مع أمها، إلى أن تم اعتقالها وحكم عليها بثماني سنوات سجن. تربت الطفلة عند جدتها لأمها لفترة، ومن ثم وضعت في ملجأ، لتعود إلى أمها بعد خروجها من السجن.
تحاول رشا مساعدة سارا في العثور على والدها، وتنجح. ترتاد رشا مرابع القمار، وحين يقول لها سعود إن هذا قمار وحرام، تجيبه: “أنت تعرف أن المال لا يهمني، لكنني أجمعه كي أساعد سارا”. وهذا تناقض آخر مع ما تتفوه فيه رشا عن العادات والأخلاق.
تكتشف رشا علاقة الحب التي تربط حبيبها سعود بسارا، ومن ثم تعرف بزواجهما.
تبدأ رشا (ص245) بجلد نفسها ومجتمعها: “جسمي كله عورة.. حتى البحر ليس له طعم في بلادي”. ثم تقيم مقارنة بينها وبين سارا: “هي تحب وطني أكثر مما أحبه، تشعر بالانتماء أكثر مني”. ثم تقارن بين بلدها وأمريكا: “هذا الهواء الحر الذي يفتح مسام جلدي (أي أمريكا)، لا أحس فيه في مجتمع يعتبرني منكراً”.

ملاحظات
-في الصفحة (25) يرد في النص: “تنهدت رشا مسترخية على مقعدها في ظلام كابينة الطائرة.. وهي ترسم ابتسامة صغيرة مواربة وتستعيد حكايتها”. وهذا خلل في النص، لأن الراوية هي رشا نفسها. وهنا يبدو أن الكاتب لم ينتبه إلى أن تعدد الأصوات “البوليفونية” كانت فقط تستحوذ فصولاً كاملة، مرة على لسان رشا، ومرة على لسان سارا. أما هنا فلا نعرف الراوي، ولم تكن رشا قد تعرفت إلى سارا بعد. وهذا خلل فني في الرواية.
-شخصيات الرواية كلها غير مقنعة وانفعالية وغير متوازنة وغير مدروسة، حتى الأب لا يمكن تبرير تصرفه تجاه واحدة من بناته دون غيرها، مع أنها كانت خانعة ومطيعة للأوامر.
-كان باستطاعة يوسف المحيميد أن يجعل نصه رشيقاً ويتلافى السرد المجاني والإطالة اللا مبرر لها، ويختصر نصه إلى النصف، تحقيقاً للمتعة والإقناع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى