حمود الصهيبي يكتب لـ”درة” | الأرواح تتسامى

بقلم / حمود الصهيبي  

لم يدر في خلده أنها ستجلس في الكرسي الفارغ الذي بجانبه. أراد أن يغير مكانه كي تجلس بجانب بنات جنسها، لاعتقاده بأنه كان يجلس في المكان الخطأ. نهض وأشار إليها بأن تجلس في مقعده، وسيجد لنفسه مقعداً آخر. لكنها لم تعره اهتماماً وجلست في المقعد الذي اختارته. تلفت حوله ظناً منه بأن هناك من لاحظ الموقف. ثم توجه نحوها ورمقها بنظرة سريعة عبر المسافة التي تفصل بينهما والتي لا تتجاوز المتر ونصف المتر. وهذا يعني أن مسافة الرؤية قريبة وواضحة. هو يعلم أنه لن ينجو من هذه النظرة، لأنه يؤمن بتسامي الأرواح، ويدرك أن المسافات القصيرة لها رهبتها.
لم يكتف بالنظرة الأولى، وهو لا يطمع بأكثر من النظر إليها، حتى لو لم تبادله النظر. فتحت كتاباً وبدأت تتصفحه.
بدأ العد التنازلي لإعلان بداية الحفل. تسمرت عيناه، وبدا كصنم ساكن لا يتحرك. تقدم مدير الحفل ورحب بالحضور، وافتتح الحفل بمقدمة معدة مسبقاً، ويبدو أنها نقحت أكثر من مرة، كامرأة بالغت في وضع المساحيق. كانت مقدمة المدير طويلة، مع أنه لا يجب أن تتجاوز الثلاث دقائق. وما إن انتهى حتى صدح بأسماء المشاركين في هذه الأمسية، وكان اسمها من بين الأسماء، حيث قامت من مقعدها واتجهت نحو منصة المشاركات. هو لم يحفظ اسمها، لأن عقله كان منشغلاً بها. حاول أن يستجمع قواه ويتذكر الاسم، ولكن ذاكرته لم تسعفه.
أنصت إليها بكل ما أوتي من تركيز وهي تتحدث. لم يرد أن ترمش عيناه كي لا يفوت لحظة واحدة من هذه اللحظات الثمينة، وكي لا يلوم نفسه فيما بعد. كان يحدث نفسه: أليست الأرواح تتسامى وتندمج، فلماذا اللوم؟ جاءه صوت من أعمق أعماقه: العمر فرصة، إن ضاعت فستبقى تفكر في ضياعها.
سحبه تصفيق الحضور الحار من شروده وأفكاره. قال في نفسه ظناً منه أنه يحدثها: “لا أطالبك بالنظر إليّ، ولكن لا تحرميني نعمة النظر إليكِ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى