عمق الاختبارات

بقلم / د. أحمد الشمراني  

مع بداية كل عام دراسي، يعود موسم الاختبارات، فتتحول البيوت إلى واحة مشتعلة بالتوقعات والأمل، وتتحرك في أعماق الطلاب وأسرهم مشاعر الاستعداد والتأهب، وكأنهم على وشك خوض معركة تتجاوز الأوراق والأقلام، معركة يُختبر فيها الصبر قبل القدرة، وتُصقل فيها الشخصيات قبل تحصيل الدرجات.

ومع ذلك، إذا أمعنا النظر بعمق، نجد أن هذه الاختبارات ليست سوى انعكاسٍ دقيقٍ لجوهر الإنسان؛ فهي ليست مجرد أرقام ننتظرها على الورق، بل لحظات يختبر فيها الطالب شغفه، ويختبر فيها الموظف أمانته، ويقف فيها القائد أمام مسؤولياته الحقيقية في الحياة. إنها لحظات تتحدانا لتكشف لنا عن أعماق لم نكن ندرك وجودها فينا، وعن معادن لم تلمع بعد، وتدفعنا لنكون صادقين أمام أنفسنا بقدر صدقنا أمام الآخرين.

وعلى الرغم من أننا نربط الاختبارات غالبًا بقاعات الدراسة، فإن هذه المحطات ليست محدودة في قاعات الدراسة وحدها؛ فاختبارات الحياة تلاحقنا في كل زاوية، وتجعلنا نواجه أنفسنا مرارًا وتكرارًا. إنها التجارب التي تكشف لنا عما يختبئ في داخلنا، عن هشاشتنا وقوتنا، عن الأمل الذي نحمله والخوف الذي نجهد لإخفائه. وكم من إنسان لبس قناع القوة بينما في داخله تنبض هشاشة خفية، حتى جاءت لحظة الحقيقة، فسقط القناع وبقي أمام نفسه عارياً من أي زيف.

وهنا تتجلى الإرادة الحقيقية، التي تصبح كالنور الهادئ يقود الإنسان نحو عمق ذاته؛ إذ يتعلم الفرد أن الاختبارات ليست فقط قياسًا لقدراته، بل هي لحظات يعيد فيها صياغة وعيه وإيمانه بقدراته ومسؤولياته. فكل تحدٍ يواجهه هو تجربة تعلمه الصدق مع نفسه قبل أن يواجه الآخرين، وتزيده إصرارًا على السعي لأداء أمانته أمام الله بوعي ومسؤولية.

وفي نهاية المطاف، فإن اختبارات الحياة، بتعدد أشكالها، ليست سوى محطات على طريق الإنسان نحو ذاته، لحظات تكشف لنا عن معادننا وتدفعنا خطوةً تلو أخرى نحو الاختبار الأعظم؛ ذلك اللقاء مع الله، حيث تتجلى أمامنا حقيقة ما زرعناه من أعمال وقيم في هذه الدنيا. فكل اختبار، مهما بدا عابرًا، هو فرصة للتأمل والتعمق، رحلةٌ نستكشف فيها مكامن قوتنا ونواجه فيها نقاط ضعفنا، ونستخلص منها دروسًا تصقل أرواحنا وتنير بصيرتنا، لنواصل المسير بخطى واثقة، لا تضيء دربنا في الحياة فحسب، بل تهيئنا للفوز الأعظم في الآخرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى