رمضان والقرآن: مدرسة الهداية وصناعة الإرادة

بقلم / د. أحمد الشمراني  

رمضان هو الشهر الذي اصطفاه الله ليكون ميدانًا رحبًا لتجليات القرآن الكريم، فهو الشهر الذي نزل فيه الوحي، ليكون هداية للناس وموعظة للقلوب وإرشادًا للعقول. وفي المقابل، يأتي رمضان ليصقل الإرادة، ويهذب النفس، ويعيد ترتيب أولويات الإنسان، وكأنه تدريب عملي لمن أراد أن يمارس معاني القرآن في حياته.

القرآن منذ نزوله كان دعوة للهداية، فهو الكتاب الذي يحمل في آياته النور لمن أراد أن يهتدي، والبصيرة لمن يبحث عن الحقيقة. لم يكن مجرد كلمات تُتلى، بل منهجًا متكاملًا يوجه الإنسان في كل تفاصيل حياته، يُرشده إلى الخير، ويُنذره من الشر، ويضع أمامه طريقًا مستقيمًا لمن أراد أن يسلكه. وفي رمضان، حيث تهدأ ضوضاء الحياة، وتصفو الروح بالصيام والقيام، يجد المؤمن نفسه في أقرب حالاته إلى القرآن، يقرؤه بتدبر، ويعيشه بروحه قبل جوارحه.

لكن رمضان ليس مجرد شهر للقراءة والتلاوة، بل هو مدرسة عملية لصناعة الإرادة. إنه شهر العزيمة الذي يعلم الإنسان كيف يتحكم في شهواته، كيف يضبط نفسه أمام مغريات الحياة، وكيف يدير وقته بين العبادة والعمل والراحة دون إفراط أو تفريط. الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو درس عميق في قوة الإرادة، يثبت للإنسان أنه قادر على كبح رغباته، وأنه أقوى من عاداته، وأنه حين يريد يستطيع.

وكما أن القرآن يحمل في آياته الدعوة إلى الصبر، يأتي رمضان ليكون التطبيق العملي لهذه الفضيلة. الصيام نفسه مدرسة للصبر، ففيه يصبر الإنسان على الجوع والعطش، يصبر على أذى الآخرين فلا يرد الإساءة بمثلها، يصبر على طول ساعات العبادة، وعلى مشقة التغيير في روتين حياته. وإذا كان القرآن يزرع في النفوس فكرة الثبات أمام الفتن، فإن رمضان يُدرّب الإنسان على ذلك يومًا بعد يوم.

رمضان هو أيضًا موسم الاستشعار العميق لمعاني القرآن. حين يصوم الإنسان، ويجوع، ويشعر بحاجته، فإنه يتذوق آيات القرآن بروح مختلفة، يفهم معنى الفقراء حين يقرأ عنهم، ويشعر بلذة الشكر حين يفطر بعد يوم طويل. يصبح القرآن في رمضان أكثر حضورًا وتأثيرًا، ليس لأنه نزل فيه فقط، بل لأن القلوب تكون أكثر استعدادًا لاستقباله، والعقول تكون أكثر وعيًا بتفاصيله.

وهكذا، يمنحنا القرآن في رمضان فرصة لمن أراد أن يتغير، لمن أراد أن يبدأ من جديد، لمن أراد أن يختبر حقيقة قدراته وإمكاناته. رمضان ليس مجرد مناسبة دينية، بل هو دورة تدريبية مكثفة في تهذيب النفس، وصناعة الإرادة، والعيش في ظلال القرآن. وهو في ذلك يمنحنا إجابة واضحة: من أراد أن يهتدي، فالقرآن أمامه، ومن أراد أن يتغير، فرمضان بابه مشرع.

د. أحمد الشمراني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى