المثالية في الحياة الزوجية: حين يتحول السعي للكمال إلى عبء ثقيل

بقلم / آمنة العطاالله  

تلقيت استشارة من زوجة أنهكها السعي إلى الكمال في علاقتها الزوجية، فهي لا تتقبل أي نقص فيما يقدمه لها زوجها، ولا فيما تقدمه له. تعيش في دائرة مغلقة من تأنيب الضمير، لا تستمتع باللحظة إن لم تكن مثالية، رغم أن زوجها يردد دائمًا: “الكمال لله وحده، وسّعي صدرك.” ومع ذلك، يظل القلق يلازمها، خوفًا من أن تكون مقصّرة أو أن يكون ما تحصل عليه أقل مما يجب.

هذا الموقف ليس استثنائيًا، فالكثيرون يقعون في فخ المثالية، معتقدين أنها السبيل لضمان حياة سعيدة ومستقرة، بينما هي في الواقع قد تكون سببًا رئيسيًا في التوتر والضغط النفسي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الإنسانية، سواء في الزواج، أو الأمومة، أو حتى في العمل.

*المثالية: سعي مشروع أم عبء ثقيل؟*
الشخصية المثالية تسعى دائمًا إلى تحقيق أعلى المعايير، سواء في التصرفات، أو العلاقات، أو الإنجازات. لكنها حين تتجاوز الحد الطبيعي، تصبح مصدرًا للتوتر والقلق، حيث يصعب على صاحبها تقبّل أي خطأ أو تقصير، سواء من نفسه أو من الآخرين.

في الزواج، يمكن أن تؤدي هذه العقلية إلى نشوء توقعات غير واقعية، تجعل الشخص دائم النقد لنفسه أو لشريكه، مما يخلق فجوة بينهما. فبدلاً من تقبّل الحب كما هو، يصبح هناك شعور دائم بأن “ما يُقدَّم لا يكفي”، مما يؤثر على الرضا العاطفي بين الزوجين.

بين الزوجة المثالية وتأنيب الضمير
الزوجة التي تسعى إلى المثالية تجد نفسها غارقة في تأنيب الضمير المستمر، تخشى أن يكون ما تقدمه ناقصًا، أو أن تكون غير كافية لزوجها. وعلى الجانب الآخر، تجد صعوبة في تقبّل النقص في شريكها، فتظل تقارنه بصورة مثالية في ذهنها، مما يخلق لديها شعورًا دائمًا بعدم الرضا، حتى لو كان زوجها يسعى جاهدًا لإسعادها.

لكن المشكلة أن الكمال وهم، والحياة ليست اختبارًا للمثالية بقدر ما هي تجربة إنسانية قائمة على التفاهم والتقبّل. فحين تنشغل الزوجة بملاحقة الكمال، تفقد القدرة على الاستمتاع بالحياة الزوجية كما هي، بكل تفاصيلها الجميلة، حتى وإن لم تكن مثالية.

كيف يؤثر السعي للكمال على الأدوار الأخرى
المثالية لا تؤثر فقط على الزواج، بل تمتد إلى الأدوار الأخرى في الحياة:

الأم المثالية
قد تشعر
أنها لا تقدم لأطفالها ما يكفي، أو أنها يجب أن تكون دائمًا صبورة، ودودة، ومتفانية، مما يجعلها تعيش في توتر دائم.
– *الموظفة المثالية*: تجد نفسها غير قادرة على تفويض المهام، تخشى ارتكاب الأخطاء، وتضع ضغطًا هائلًا على نفسها لتحقيق أعلى المعايير دائمًا.
كيف نحقق التوازن؟
التصالح مع النقص لا يوجد إنسان كامل، والخطأ جزء طبيعي من الحياة.
التمييز بين التميز والمثالية
التميز يعني بذل الجهد والسعي للأفضل، بينما المثالية تعني البحث عن الكمال المطلق، وهو أمر مستحيل.
تخفيف التوقعات
تقبّل أن العلاقات تقوم على المودة والتفاهم وليس على تحقيق معايير مثالية.
التوقف عن تأنيب الضمير
بدلاً من التركيز على الأخطاء، يجب التركيز على الإنجازات الصغيرة التي تحققها الزوجة في حياتها اليومية.
الاستمتاع باللحظة
أحيانًا، الجمال يكمن في التفاصيل غير المخطط لها، في الضحكات العفوية، وفي اللحظات التي لا تحمل أي تصنّع أو توقعات مسبقة.

ختامًا
حين نضع المثالية فوق كل شيء، نخسر متعة العيش بتلقائية. والحياة الزوجية ليست اختبارًا للكمال، بل مساحة للمحبة والتقبّل والنمو معًا. والسعادة الحقيقية ليست في تحقيق كل شيء كما نتصور، بل في القدرة على الاستمتاع بما هو متاح، وتقديره بكل حب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى