جن الشعر

بقلم / حمود الصهيبي  

كثُر الجدل عن مسألة ارتباط الشعر بالجن وهي من الموضوعات التي تندرج تحت ما يُعرف بالأساطير والخرافات أو المعتقدات الشعبية في بعض الثقافات ، وهي ليس لها أساس علمي أو ديني ثابت، وقد يصدقها البعض ، وان مصدر الشعر هو الجن فشعراء العصر الجاهلي كانوا يتفاخرون بعبقرياتهم المنسوبة لوادي عبقر المحتل من عمالقة الجن وهم مصدر الإلهاموادي عبقر هو وادٍ قيل أنه يقع في نجد وقيل في اليمن وهو وادٍ سحيق، وإذا قيل فلان (عبقري) فهو نسبة إلى وادي عبقر. وقال الخليل الفراهيدي: موضع بالبادية كثير الجن .
تقول الروايات أن هذا الوادي تسكنه شعراء الجن منذ زمن طويل، ويقال أنَّ من أمسى ليلة في هذا الوادي جاءه شاعر أو شاعرة من الجن تلقّنه الشعر، وإن كل شاعر من شعراء الجاهلية كان له قرين من هذا الوادي يلقنه الشعر
، وكل الشعراء كان لهم قرناء من الشياطين تحت مسمى (جن الشعر) ، فمنهم من أفصح عن شيطانه ومنهم من لم يشأ، ومنهم من لا يعرف أن لديه شيطانا لأن شيطانه يحضر وقت الشعر فقط دون أن يشعر به الشاعر أو يؤثر على تصرفاته.
وقد ذكر ان لكل شاعر قرين من الجن، مثل :
لافظ بن لاحظ صاحب امرؤ القيس
هبيد بن الصلادم صاحب عبيد بن الأبرص وبشر بن أبي خازم الأسدي
هاذر بن ماهر صاحب النابغة الذبياني
مدرك بن واغم صاحب الكميت بن زيد.
مسحل السكران بن جندل صاحب الأعشى
جالد بن ظل صاحب عنترة بن شداد.
وذكر الفرزدق عن شياطين الشعر فقال : ان للشعر شياطين أحدهم أحدهم الهوبر والآخر الهوجل ، فمن انفرد بهِ الهوبر جاد شعره وحسن كلامه ، ومن أنفرد بهِ الهوجل فسد شعره .اعتقد العرب بأن للجنِّ قدرة خارقة على إنجاز الأعمال الغريبة التي يعجز عنها بنو البشر، ومن ذلك ما أورده الجاحظ في كتابه “الحيوان”، بأن أهل تدمر يزعمون أن مدينتهم بنتها الجنُّ للنبي سليمان! ونسبة الخوارق إلى الجنّ عند العرب، وصل لأكثر شيء يمتازون به، وهو الشِّعر، ومن ذلك ما ذكره المعري في ديوانه “سقط الزند”: “وقد كان أرباب الفصاحة كلّما / رأوا حسناً عدّوه من صنعة الجنّ”.
ومن هذا يقول الزمخشري في “الكشاف”: “العبقري منسوب إلى عبقر، فيزعم العرب أنه بلد الجن، فينسبون إليه كل شيء عجيب”. ولذلك يستنتج عبد الرازق حميدة في كتابه “شياطين الشعر” أن كلمة “العبقرية” مأخوذة من عبقر “لندلَّ بها على تلك المقدرة الذهنية، والمهارة العقلية التي يتفوق صاحبها بفضلها في الإبداع والاختراع”!
ومنهم واهو الأقرب من لا ياتي مع هذا ويعتبرها من الخرافات والأساطير فمن الجانب الديني (في الإسلام)و لا يوجد في القرآن الكريم أو في الأحاديث النبوية الصحيحة ما يثبت ارتباط الشعراء بالجن بشكل مباشر أو أن الجن هم مصدر إلهام الشعراء.
وورد في القرآن ذكر الشعراء في سياق عام، مثل قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ € الشعراء: ، لكن هذا لا يعني اتهامهم بالارتباط بالجن، بل بالإفراط في الكلام غير المفيد أو المبالغة.
واتت بعض التفاسير ذكرت أن هناك استثناءً للشعراء الذين يدافعون عن الحق، كما في حديث حسان بن ثابت شاعر النبي صلى الله عليه وسلم.
فمن الجانب العلمي والنفسي يأتي الإبداع الأدبي (كالشعر) هو نتاج قدرات عقلية ووجدانية للإنسان، مثل الخيال، الذكاء اللغوي، التجارب الحياتية، والمشاعر.
ما قد يُفسّر البعض الإبداع الخارق لبعض الشعراء (مثل سرعة نظم القصيدة أو غرابة الكلمات) بأنه من فعل الجن، لكن العلم يرى أنها موهبة فطرية أو نتيجة تمرين طويل.
فهنلك الخرافات والانحرافات العقائدية تقول : أن بعض الناس قد يربطون أي ظاهرة غير مألوفة بالجن (مثل الهلوسة أو اضطرابات النطق)، وهذا خطأ شائع، وهناك من يدعي التواصل مع الجن للحصول على الشعر أو المعرفة، وهذه ادعاءات باطلة وقد تكون من الدجل أو الشعوذة.
لا يوجد دليل شرعي أو علمي مقنع على ارتباط الشعراء بالجن، وما يرد في هذا الموضوع إما أساطير قديمة أو تفسيرات غير دقيقة. الشعر موهبة إنسانية يُنمّيها التعلم والتمرين، والاعتقاد بوجود قوى خفية خلفه قد يؤدي إلى انحرافات عقدية أو نفسية. يُنصح بالتمسك بالمنهج العلمي والشرعي في تفسير مثل هذه الظواهر.
الشعر موهبة إنسانية قد تكون فطرية أو مكتسبة، وليس لها علاقة بالجن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى