حمود الصهيبي يكتب لـ”درة” | الكاتب سلمان العيد بين الرواية والسيرة

بقلم / حمود الصهيبي  

من خلال قراءتي لرواية “مواقف تعانق الزمن” يوميًا: مدرس مصري في حارة الحوامي”للكاتب / سلمان العيد.
والذي أرادها ان تكون سيرة غيرية على لسان مغترب مصري واتخذ الكاتب من اسمه ” عبدالسميع عطا الله ” اسماً لبطل روايته والذي استخدم الراوي المتلكلم
وهذهِ التقنية – الرواي المتكلم- قدرة هائلة على التأثير في أي جانب من جوانب القصة تقريبًا، وهذا الأسلوب يخلق تأثيرًا خاصًا، حيث يدمج بين خصائص السيرة الذاتية (الحميمية والذاتية) وموضوعيتها أحيانًا، لأن الراوي يتحدث بلسان شخص آخر ، لتوصيل رسالة إذا ما أمنّا أن للرواية هناك مقولة يريد الكاتب قولها ، ويرويها بضمير المتكلم، ولكن -الكاتب- هو من يصوغ صوتها، ويُستخدم هذا الأسلوب لجعل القارئ يعيش تجربة الشخصية من الداخل ، والسيرة الغيرية “بضمير المتكلم” محاكاة لسيرة أخرى بضمير “أنا”، وغالبًا ما تكون خيالية أو مُعاد صياغتها.
فهو يُحدد التفاصيل التي يُدرجها وما يُحذف. ويُحدد ترتيب سرد الأحداث، والوقت المُخصص لمناقشة كل منها. كما يُحدد كيفية وصف الأحداث والشخصيات الأخرى. وقد يُحاول التأثير على القارئ نحو استنتاجات مُحددة حول أحداث القصة، إما من خلال أساليب علنية أو غير علنية ، والذي اتى إلى شرق المملكة الغربية السعودية وفي جزيرة تاروت وتحديدا حارة الحوامي التي تدور حولها كل أحداث الرواية والتي رصد من خلال مغترب مصري لتدريس” العلوم في مدرسة تاروت المتوسطة والثانوية.
وهذا العمل يُعد عملاً أدبيًا يجمع بين السرد الواقعي واللمسات الإنسانية العميقة، حيث يُقدِّم لوحةً اجتماعيةً تعكس حياة المدرس المصري البسيط في حارةٍ شعبية، مع تسليط الضوء على تفاعله اليومي مع الزمن والمجتمع.
أستطاع الكاتب من خلال الرواية الواقعية بنظرة عامة على الرواية وتنتمي إلى الأدب الواقعي الاجتماعي مع عناصر من السيرة الذاتية والتأمل الفلسفي في مفهوم الزمن.
والسياق المكاني والزماني والذي هو المحرك له وتدور أحداث الرواية في حارة الحوامي (مكان شعبي شرق السعودية في جزيرة تاروت التابعة لمنطقة القطيف وهو مكان واقعي)، مما يعكس حياة الطبقة الوسطى والفقيرة في تاروت .
الفكرة الرئيسيةالتي ارادها الكاتب تتعمق في علاقة الإنسان بالزمن من خلال مواقف يومية، حيث يصبح الزمن ليس مجرد ماضٍ وحاضر ومستقبل، بل شريكًا في تشكيل الذكريات والتجارب ، ومن خلال تحليل الشخصيات الرئيسيةنجد المدرس المصري الشخصية هي المحورية التي تدور حولها جميع الأحداث وبلسانه ، والذي يمثل الإنسان البسيط الذي يحمل همومًا يوميةً بسيطةً لكنها عميقة، ما يجعله يتعامل مع الزمن ليس كعدو، بل كرفيق يُذكِّره بلحظات الفرح والألم.
وأهل الحارة هنا الشخصيات الثانوية يُستخدم الجيران وأصحاب ” الأجرة التكاسي “المحلات لتجسيد التكافل الاجتماعي والأحداث والجرائم التي حدثت أحيانًا ، مما يضفي واقعية على الأحداث.
واراد الكاتب أن يجعل الموضوعات الرئيسية في الرواية
المكان كشخصية أساسية والذي تتمثل بحي” الحوامي “وكذلك من خلال الزمن الذي جعله ليس مجرد إطار زمني، بل هو كيان يتفاعل مع الشخصيات ويؤثر في مصائرها.
ذكر الراوي اسماء وتفاصيل احياء ومزارع ومعالم في جزيرة تاروت مثل “قهوة العقيلي” وساقية ماء جارية اسمها ” حمام تاروت ” ومسميات قديمة لمدينة القطيف والتي كانت تسمى ” بالخط ” والبحرين التي كانت تسمى ” أوال ” والاحساء التي تسمى هجر واراد ألكاتب أن يؤرخ المنطقة من خلال بطل الرواية والذي جعله يندمج مع المجتمع التاروتي ليستخرج منه تسألات عن البلدة وتأريخها وابراز معالمها والفرجان جمع فريج مثل :الفسيل” و”الفسيل العود” و”ماباشلاما” وفريق ابو إبرة وفريج أبو جبال .
والشخصيات التاروتية والحوامية على وجه الخصوص ، والرواية تُظهر أن العظمة تكمن في التفاصيل الصغيرة (كابتسامة المعاق ، وحديث بين الجيران ، وحضور “العادة” وهي مجالس للذكر واللقاءات ) في موروث أهل تاروت ، والحارة في الرواية ليست مكانًا ماديًا فقط، بل مخزنًا للتاريخ الشعبي ، حيث تختلط أحلام الأفراد بتراث المكان، هي ذاكرة جمعية للمجتمع،
اعتمد الكاتب على الأسلوب والبناء الفني بسرد الأحداث التي تُروى بتسلسل زمني، لكن مع استرجاعات ذهنية تظهر كيف يُعيد الإنسان صياغة ذاكرته . أستخدم الكاتب لغة بسيطة مع استخدام اللهجة المصرية العامية في الحوارات والامثال والمقارنة بين مجتمعين مما يضفي مصداقية على الشخصيات.
والرمزية هنا لمسمى “العادة” وهي منتشرة في الزيارتت وقد ترمز لـ “مكان للقاءات الذكر في الحي “، بينما المدرسة ترمز لـ “مكان الأحلام وتقديم رسالة العلم متمثلة في مدير المدرسة الذي قدم رسائل متعدده من خلال وظيفته ” وذكر الالعاب الشعبية بمسمياتها من خلال ابنه ، الذي احضره لهذا الغرض ومسميات الفرق الرياضية القديمة واندماحها مع بعض في تلك الفترة من الزمن ومسميات وانواع التمور .
الرواية صورت تصوير واقعي مؤثر للإنسان البسيط، مع عمق في تحليل العلاقة بين الزمن والذاكرة.
جرأة في كشف هموم الطبقة الوسطى المنسية في الأدب العربي الحديث.
وتعد هذهِ الرواية التي تُقدِّم فلسفةً للحياة من خلال العادي اليومي، حيث يصبح المدرس وحارته عالماً مصغرًا يعكس صراع الإنسان مع الزمن الفقر ، والذاكرة، والتعايش ما بين المذاهب المختلفة مثل الشيعة والسنة في منطقة جمعتهم بها في تعزيز الهوية الوطنية المتمثلة في السعودية .
وكما قال في الرواية عن التحول :
” فالخطأ إذا استمر العمل بهِ بات مثل الخطأ النحوي الشائع ، الذي يعد أفضل في الكلام من التعبير السليم المتروك “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى