منى آل جارالله تكتب لـ”درة” | ما بين الرقعة والنسخ ..الفضيلة تطرق الأبواب

بقلم : الكاتبة: منى آل جارالله  

حين كانت الأخلاق مزاجًا عامًا لا قيمةً داخلية
في زمنٍ لم يكن الناس يسألون
هل هذا صواب؟
بل
يسألون: هل هذا يُغضب الجماعة؟
جاءت “الصحوة” لا كنهج، بل كـ”حالة طوارئ أخلاقية” مؤقتة، نصب فيها الرقيب خيمته في العقل، والضمير صار مشروعًا جماعيًا خاضعًا للمراجعة الأسبوعية.
كان يُقال إن ( الفضيلة تسكن القلوب )، لكنها آنذاك كانت تطرق الأبواب، تتفقد سواد العباية ، تقيس الطول، وتحاكم الوجوه العابرة في الأسواق.
و بين المئذنة والميكروفون …
كان صوت الواعظ أعلى من صوت الأم، وأشد من نصيحة الأب.
الفتوى كانت جواز المرور إلى الحياة اليومية، والشك حيالها كفرٌ بالعُرف، لا بالدين.
في تلك الفترة، الفضيلة لم تكن نابعة من قناعة، بل مفروضة من أعلى.
حالة من التعبئة الشعورية، حيث المنكر علني، والمعروف مخنوق بالتكرار.
ما الذي حدث حينها؟
تقلصت الحياة حتى صارت تدور حول “ما لا يجب أن تفعله”، لا “ما يمكنك أن تبنيه”.
الازدواجية الكبرى: ( نفاقٌ باسم الفضيلة )
“الصحوة” صنعت طبقة اجتماعية مهووسة بالرمز، مريضة بالشكل، وقليلة الصبر على العمق.
عُيّنت الفضيلة شرطية للعقول لا رفيقة للقلوب.
وبينما كانت خطب الجمعة تصرخ بالتحذير من “فتن النساء”، كان الاقتصاد يئن، والتعليم يُستهلك، والشباب يغلي تحت طاولة الكبت.
أصبح الممنوع أكثر مما هو موجود، وتم اختزال المرأة في عبء أخلاقي متحرك، لا كإنسان.
الموسيقى… صورة… ضحكة… كلها كانت متاهات أخلاقية بحاجة إلى فتوى يومية.
حين نعود للسؤال الأهم: من يملك الفضيلة؟
هل هي السلطة الدينية؟
هل هي المجتمع؟
أم الفرد نفسه حين يختار الصواب دون أن يصفق له أحد؟
لقد طُبعت في أذهاننا صورة أن الفضيلة لها زيّ موحّد، توقيت محدد، وقالب جاهز.
لكن، ما جدوى الفضيلة إن لم تكن نابعة من حُرّية داخلية؟
ما معنى الالتزام إن لم يكن عن حب؟
وهل يُنتج الخوف أناسًا أخلاقيين؟ أم ممثلين ماهرين؟
ما بعد الطَرق: هل دخلت الفضيلة أخيرًا؟
اليوم، في عصر الانفتاح، بدأت الفضيلة تعود لا كشرطي، بل كرفيق ناضج.
الناس لم يفسدوا، بل بدأوا يختبرون الإيمان بدون ضغط، والأخلاق بلا عصا، والقيم بلا نفاق.
وهذا – وإن أربك الحراس القدامى – إلا أنه أكثر صدقًا.
لأن الفضيلة الحقيقية لا تطرق الأبواب…
هي تسكن فيمن لا يرفع صوته بها، لكنه يزرعها في سلوكه بهدوء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى