رشا الطاهري تكتب لـ “درة”| طوابير القهوة.. ذكاء تسويقي أم هوس اجتماعي يقود لانسياق أعمى وراء القطيع؟

بقلم / رشا الطاهري  

في السنوات الأخيرة، اعتدنا مشاهدة اصطفاف الشباب أمام المقاهي لفترات تمتد لساعات؛ لانتظار كوب من القهوة يحمل اللون الوردي أو البنفسجي أو حين ظهور مشروب موسمي جديد، ورغم أن الأمر قد يبدو بسيطًا في ظاهره، إلا أنه يعكس سلوكًا اجتماعيًا أعمق مرتبطًا بسلوك القطيع وتأثير الموضة والترند على الأفراد، سنتعمق أكثر في تفاصيل هذه الظاهرة لنلقي نظرة أقرب لفهم تأثير هذا السلوك على الأفراد والمجتمع وعلاقته بعلم النفس الاجتماعي وما هي الأسباب وراء انتشار هذه السلوكيات.
هل سبق وسمعت عن حالة الفومو (FOMO – Fear of Missing Out) ؟
تعني الخوف من تفويت الفرصة، وهي ظاهرة نفسية تصيب الأفراد عندما يشعرون بأنهم قد يفوتون شيئًا مهمًا أو ممتعًا يفعله الآخرون، وترجع أسبابها إلى الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث يرى الأشخاص صورًا ومقاطع لأصدقائهم يستمتعون بأحداث معينة، مما يقودهم للشعور بالحاجة إلى الانتماء والمشاركة في هذه الأنشطة الاجتماعية الشائعة وأحياناً خوفهم وقلقهم من تفويت فرصة نادرة أو عرض محدود، مثل العروض الترويجية أو المنتجات الموسمية.
وتنعكس هذه الحالة على شكل سلوكيات نراها مثل: الاصطفاف في طوابير طويلة لشراء مشروب موسمي جديد من مقهى شهير، أو حضور فعالية فقط لأن الجميع يتحدث عنها، حتى لو لم تكن تهم الشخص نفسه، أو متابعة الأخبار ووسائل التواصل بشكل مفرط خوفًا من فقدان معلومة مهمة.
كما تكمن أحد الأسباب وراء هذا السلوك إلى رغبة الأفراد في الانتماء والظهور الاجتماعي؛ حيث يسعى الكثير من الشباب إلى الشعور بأنهم جزء من المجتمع من خلال مشاركة صورهم وتجاربهم في زيارة المقاهي الدارجة في وسائل التواصل الاجتماعي.
سلوك القطيع: لماذا نتبعه دون وعي؟
في كتابه الشهير “سيكولوجية الجماهير” (1895)، تناول غوستاف لوبون بعمق سلوك الأفراد عند اتباعهم لجماعة، وكيف تتغير تصرفاتهم بشكل جذري نتيجة تأثير العقل الجمعي.
وهي ظاهرة نفسية واجتماعية تدفع الأفراد إلى تقليد الآخرين دون تفكير نقدي أو تقييم منطقي ويرتبط سلوك القطيع ارتباطًا وثيقًا بظاهرة اتباع المجتمع للترندات دون تفكير نقدي. ما وصفه غوستاف لوبون في كتابه حول فقدان الأفراد لهويتهم المستقلة داخل الجماعة ينطبق اليوم على السلوك الرقمي في عصر وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث يتبع الأفراد سلوك الجماعة دون تفكير نقدي، معتقدين أن الأغلبية دائمًا على حق.
عندما ينتشر ترند معين، سواء كان تحديًا، أو مشروب جديد، يتأثر الأفراد بما يرونه متكرراً وهذا التكرار يولّد إحساسًا بأن هذا السلوك صحيح أو ضروري للتفاعل معه، حتى لو كان بلا قيمة حقيقية، كما يخشى الأشخاص أن يُنظر إليهم على أنهم خارج الدائرة الاجتماعية إذا لم يشاركوا في الظاهرة الرائجة.
وتساهم خوارزميات المنصات الاجتماعية على تعزيز هذا السلوك وإثارة رغبة الأفراد في المشاركة، حيث تُظهر للمستخدمين المحتوى الذي يلقى تفاعلًا واسعًا، ما يعزز الإحساس بأن هذا الاتجاه مهم ويجب اتباعه.
سلوك القطيع في العالم الرقمي يُظهر كيف يمكن للجماهير أن تتبنى تصرفات أو آراءً دون تفكير نقدي، مدفوعةً بالرغبة في الانتماء والمشاركة ويظهر هذا السلوك بوضوح في ظواهر عديدة، مثل: شراء منتجات فقط لأنها مشهورة، بغض النظر عن جودتها، اتباع صيحات الموضة حتى لو كانت غير عملية ومكلفة، المشاركة في تحديات أو ترندات على الإنترنت فقط لأن الجميع يفعل ذلك.
هذا السلوك ينبع من حاجة الإنسان الفطرية إلى الانتماء والخوف من الرفض الاجتماعي، حيث يفضل الكثير اتخاذ قراراتهم بناءً على ما يفعله الآخرون، بدلاً من التفكير المستقل. عندما يرى الفرد مجموعة كبيرة من الناس تصطف أمام مقهى معين، يعتقد تلقائيًا أن هذا المكان يقدم منتجًا استثنائيًا.
هذا النوع من التفكير يؤثر بشكل سلبي وقد يعرض الأفراد للاستغلال من بعض العلامات التجارية، فتقوم بالتأثير عليهم باستخدام استراتيجيات التسويق الذكي مثل الإصدارات المحدودة أو “المنتجات الموسمية” لخلق شعور بالإلحاح، مما يدفع الناس إلى الاصطفاف حتى لا تفوتهم الفرصة.
رغم أن الاصطفاف أمام المقاهي قد يبدو سلوكًا غير ضار، إلا أن له بعض الآثار السلبية على الأفراد والمجتمع، كضياع الوقت والمال، وضعف التفكير النقدي عندما يعتمد الفرد على ما يفعله الآخرين دون تقييم شخصي فإن ذلك يقلل من قدرته على اتخاذ قرارات مستقلة وواعية، كل هذه الأسباب قد تؤدي لضغوطات نابعة من ضغط الأقران وتؤثر على الشباب سلبياً وتشعرهم بالاستنزاف المالي والنفسي.
لا يجب علينا كأفراد واعيين أن نخضع لمثل هذه السلوكيات الدخيلة حتى تصبح هي المعتاد يجب أن نتعامل معها بشكل واع لنعزز من نهضة المجتمع والأجيال القادمة فالشباب هم عماد المجتمع وأساس لمستقبله.
يمكننا التصدي لهذه السلوكيات عبر تعزيز السلوكيات الإيجابية مثل تعزيز التفكير النقدي، قم بسؤال نفسك قبل أن تقف في طابور طويل هل أنت فعلاً ترغب بهذا المشروب أم لأن الجميع قام بتجربته، مارس استقلاليتك في اتخاذ القرار فلا بأس بتجربة الجديد لكن احذر أن يكون الدافع هو مواكبة الآخرين فقط وأعد عزيزي الشاب تقييم أولوياتك فبدلاً من قضاء ساعات في طابور طويل استغل هذا الوقت في أنشطة مفيدة مثل تعلم مهارة جديدة أو القراءة، أو حتى الاستمتاع بلحظات هادئة بعيداً عن الضغوط الاجتماعية.

‫2 تعليقات

  1. موضوع بغاية الأهمية اصبحنا بزمن متبوع لانستمتع بالشيء قدر حصولنا عليه فقدنا الشغف والمتعة

  2. دمت ودام طرحك..فعلا انتشرت في المجتمع الكثير من السلوكيات التي ظهارها بسيط او عادي ولكنها نقوص خطر يدق ولا يوجد مستمع..لذا لا بد من تعزيز التفكير النقدي الايجابي..فخوره بك ومتابعة لطرحك بقوه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى