متكأ قلم .. سحر القلوب المسلوب

أعزائي القراء الكرام : منذ ظهور مرض ( كوفيد 19) والعالم كله يتخبط في البحث عن علاج له من أطراف الأرض إلى أقصاها, وهذا امر طبيعي الخوف من الأمراض, وطلب الاستشفاء والمبادرة للبحث عن علاج يٌنهي هذا المرض الخطير الذي بات يقلق مضاجع سكان الكرة الأرضية.
ولكن للأسف هناك الآن مرض عصري منتشر في هذا الزمان وهو أزلي منذ خلق الله هذا الكون البديع, ولنا في قصص القرآن الكريم ما هو دليل على ذلك.
أحبتي :هو أعظم من أي مرض وأفظع من أي داء!.
فما هو هذا الداء الفاسد الذي استحل القلب قبل الجسد ؟
إنه داء يصيب الإنسان في أهم عضو لديه فهل استطعتم معي أن تتعرفوا عليه ؟
قرائنا الكرام : إنه مرض القلوب الذي أصبح مسلوباً من الشخص الذي خلقه الله طاهر الفطرة
إنني هنا لا أعني بمرض القلوب تعطل صمامات القلب او أن الشرايين قد فسدت أو أن القلب قد أصابه هبوط او جلطة.. كلا!
إن الأمر عظيم ، لأن هذه الأمراض العضوية قد ينتبه لها المريض ويحس بأوجاعها ويبادر الى علاجها ولكن للأسف الشديد مرض القلب الذي سأتحدث عنه لا يحس صاحبها بالألم ولا وجع مسبق .
القلب ذاك المضغة الصغيرة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا صلحت صلح الجسد كله)، والذي يحمل بين جنباته الخير والشر والفرح والحزن , مشاعر واحاسيس التي لا نستطيع تجاهلها وهذا الخلق عجيب التركيب من صنع الخالق عز وجل يأنس ويضجر يمرض ويتعافى.
لكن متى وأين وكيف؟؟
فالقلب يتعافى متى ما امتلأ بحب الخير للغير وهو يمرض عندما يمتلئ بالحقد والحسد والضغينة على الآخرين .
إذن فالقلب يحتاج للغذاء الروحي كما يحتاج البدن للغذاء الصحي المصلحة للجسد , ولن ينمو البدن إلا بإعطاء ما ينفعه ونمنع عنه ما يضره ,وكذلك القلب لا تتزكى روحه ويتم صلاحه إلا بحصول ما ينفعه ودفع ما يضره، قال الله السميع العليم في سورة الشمس (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿7﴾ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿8﴾ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴿9﴾ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴿10﴾)
القسوة والفظاظة من امراض القلوب لذلك ذكرها الله في محكم كتابه أنها من صفات المنافقين وهذا ما نجده للأسف في واقعنا من خلال التعامل مع بعض الأشخاص الذين لا يهدأ لهم بال ولاحال إلا بالقيل والقال ويجدون لذة في أذية الاخرين بالقول أو العمل في كل سكناتهم وحركاتهم . وقد شبههم الله بالحجارة أو أشد من الحجارة قسوة , كفانا الله شر قلوبهم القاسية، «قال الله السميع العليم في كتابه الكريم (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)».
ومن أمراض القلوب التي قد استحلها هذا الفساد الروحي للقلب الكبر والعجب بالنفس، وهذا الشخص المريض يتخيل دائماً لنفسه أنه يعيش أفضل من غيره لأنه تميز في علم أو عمل وان الله قد خصه وحده بمزايا دنيوية كالنسب، والمال، والجمال، والقوة، والذكاء، ولكن هيهات كلها بإذن الله مصيرها للزوال والفناء إذا ما استشعر الإنسان هذه النعم وشكر الله عليها ولن يبقى معه إلا العمل الصالح من قول وعمل وأثر طيب قد يكون تركه في القلوب، وذكرٌ حسن في حياته وبعد مماته, وتفريج كربة أو إدخال السرور على الآخرين، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: (أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ: إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ، كَسَوْتَ عَوْرَتَهُ، أَوْ أَشْبَعْتَ جَوْعَتَهُ، أَوْ قَضَيْتَ لَهُ حَاجَة)» .
أحبتي الكرام :
ما اريد ان اصل اليه ليس الكمال في الصفات ونرجسية الشخصية فوجود بعض الأمراض في القلوب قد تكون طبيعية
من شخص للآخر حسب ما تقتضيه الظروف المكانية والزمانية فمثلاُ قد يكون الحسد محمود إذا كان من أجل التنافس الشريف وابتغاء مطلب النجاح لكن بدون حقد وتعدي على حقوق الغير وسلبهم حقوقهم حتى تظفر بما في قلبك الفاسد الحاقد وتحرم غيرك من حقه , حيث تجده يبيع الآجلَ بالعاجل والباقي بالفاني، طمعًا في أن يحصل على شيءٍ من حطام الدنيا.
وتأكد أن حسدك وحقدك نار ستحرق بها نفسك دون أن تحرق بها الآخرين.
ختامًا أحبتي أهل القلوب الطاهرة:
نعم ! طهارة القلب هي موقوفة على إرادة الله تعالى الذي يعلم ما في القلوب، ويعلم ما يصلح له منها وما لا يصلح للإنسان ،
لأن القلب العليل كالبدن العليل لا تلائمه الأدوية التي تلائم الصحيح
ولكننا بأمر الله نستطيع أن نصل لطهارة القلب من الأمراض الفاسدة و تنقيتها من الأمراض التي تسببت بذلك بالرجوع أولاٌ إلى الله والتمسك بالكتاب والسنة الشريفة، وبذلك نفوز بقلب سليم ذو سحر عجيب يضفي على الجسد والروح النقاء والضياء، فإذا أردنا العيش بسكينة وطمأنينة وراحة بال شعور لابد من طهارة القلب من هذه المفسدات التي تلوثه وتسلبه سعادته الدائمة التي هي مطلب كل إنسان يسعى للسلام الداخلي، فأمراض القلوب بمنزلة الحطب الذي يمد النار ويوقدها فيه فيشعل فيها نار البغضاء والشحناء.
إن أمراض القلوب مثل الهم والغم والحسد والحقد وقسوة القلب وشفاؤها لن يتم إلا بأضدادها من الفرح والسرور والأنس والبعد عن مسبباتها والقرب من الله.
ختامًا : أعيدوا لقلوبكم هذا السحر المسلوب منها وملؤها إيمان بالله وحب الخير للغير, والبعد عن الحسد والحقد والعجب والكبر وحظوظ النفس وأعدكم بأنكم ستنعمون بقلب سليم غير عليل لا يشكو من وجع أو ضيق، وقال سعيد بن المسيّب: “القلبُ السليم هو الصحيح، وهو قلب المؤمن, لأنَّ قلب الكافر والمنافق مريض”.
نسأل الله ان تدوم صحة قلوبنا ويشفي أصحاب القلوب المريضة .