تقرير درة | صحراء أتاكاما.. سبب إزهرار أكثر الأماكن جفافا على الأرض

تكبير الخط ؟
تعد صحراء أتاكاما أكثر الأماكن جفافا على وجه الأرض، إلا أنها بعيدة عن أن تكون قاحلة؛ فما هو السر وراء الإزهار المذهل في الصحراء الأكثر جفافا في العالم؟..
وتقع صحراء أتاكاما في شمال تشيلي بأمريكا الجنوبية، وهى تمتد على شكل شريط يبلغ طوله 966 كم ويوازي المحيط الهادي الذي يحصرها من الغرب.
ويحد صحراء أتاكاما من الشرق جبال الأنديز ، وهي عبارة عن هضبة مرتفعة تغطي مساحة 105000 كم مربع.
وتتميز هذه الصحراء عن غيرها بالبرودة العالية، حيث يمكن أن تصل درجة الحرارة فيها إلى الصفر المئوي.
كما تنعدم في هذه المنطقة الأمطار بشكل شبه تام، لذا فهي المنطقة غير القطبية الأجف في العالم، حيث تمنع الجبال المرتفعة التي تحدها من الشرق والغرب وصول الأمطار إليها.
ويزهر في هذه الصحراء، التي تمتد لمسافة 1600 كيلومتر على طول الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية، العديد من أنواع النباتات التي تتكيف مع الظروف القاسية.
وعلاوة على ذلك، تستضيف هذه الصحراء كل خمس إلى عشر سنوات تقريبا، من سبتمبر إلى منتصف نوفمبر، أحد أكثر المشاهد الطبيعية إثارة في العالم، ما يسمى بـ “إزهرار الصحراء” (desierto florido بالإسبانية، ومعناها حرفيا: الصحراء المزهرة).
وتشهد هذه الظاهرة تفتح الأزهار بشكل جماعي مذهل، والذي يحدث عادة بعد هطول الأمطار؛ وهو ما تشهده المنطقة حاليا عقب هطول أمطار غزيرة في وقت سابق من هذا العام.
وحقق فريق دولي من العلماء في الآليات الفسيولوجية والتطورية التي تتيح التنوع الكبير في الأشكال والألوان والأنماط المرئية للزهور خلال “إزهرار الصحراء”.
وفي الورقة البحثية المنشورة في مجلة Frontiers in Ecology and Evolution، قال الدكتور خايمي مارتينيز هارمس، الباحث في معهد البحوث الزراعية في لا كروز، تشيلي: “كان هدفنا إلقاء الضوء على الآليات البيئية والتطورية التي تسبب التنوع البيولوجي في البيئات القاسية مثل صحراء أتاكاما”.
وتابع، “نوضح هنا أن أزهار pussypaw Cistanthe longiscapa، وهي النوع التمثيلي لـ”إزهرار الصحراء” في صحراء أتاكاما، متغيرة بدرجة كبيرة في اللون والأنماط التي تقدمها إلى الملقحات”.
وأضاف، “ربما ينتج هذا التباين عن أصباغ مختلفة تسمى البيتالين (مواد لونية تعطي بعض أنواع الخضر والفاكهة والأزهار لونها) في بتلات الزهور”.
يذكر أن مارتينيز هارمس درس هو وزملاؤه، حدثا مماثلا في أواخر عام 2021م، وذلك بالقرب من مدينة كالديرا في شمال تشيلي.
وعلى الرغم من كونه أصغر حجما من الحدث الجاري حاليا في صحراء أكتاما، إلا أنه كان مرئيا بوضوح للأقمار الصناعية.
وكان النوع السائد هو C. longiscapa من عائلة المونتيات، وهو نبات سنوي يصل ارتفاعه إلى 20 سم، والذي يزهر في بقعتين متميزتين يبلغ قطرهما عشرات الكيلومترات.
وتتكون هذه البقع من زهور أرجوانية وصفراء متجانسة، وتكون واضحة بهذا الوصف بالنسبة لعين الإنسان.
كما نما العديد من الزهور الوسيطة (الضاربة إلى الحمرة والوردي والأبيض)، من نفس النوع بين هذه النباتات.
ويعني ذلك، أن الأشكال الأرجوانية والصفراء هي متغيرات وراثية يمكنها أن تتزاوج، بحسب تفسير العلماء.
ومن أجل توضيح كيف ترى الملقحات، ومعظمها منغشائيات الأجنحة (نوع من الحشرات مثل الدبابير والنحل)، بأعينها المركبة وحساسيتها، هذه الزهور.
فقد استخدم مارتينيز هارمس وزملاؤه، الكاميرات الحساسة للضوء المرئي والأشعة فوق البنفسجية ومقاييس الطيف لقياس الانعكاس والامتصاص ونقل الأطوال الموجية المختلفة بواسطة بتلات ما مجموعه 110 زهور أرجوانية، صفراء، حمراء، وردية، بيضاء.
وقد مكن ذلك، الفريق البحثي، من إنتاج صور مركبة لهذه المتغيرات، كما يراها العديد من أنواع الملقحات.
هذا، وأظهرت النتائج أن التنوع الملموس للملقحات كان أكبر مما يمكن للعين البشرية أن تدركه.
وكان سبب ذلك، أن هذه الحشرات يمكنها أيضًا، التمييز بين الأزهار العاكسة للأشعة فوق البنفسجية عكسا مرتفعا من تلك التي تعكسها عكسا منخفضا.
على سبيل المثال، يمكن لغشائيات الأجنحة، مثلنا تماما، التمييز بسهولة بين المتغيرات الأحمر والأرجواني والأبيض والأصفر.
ولكن، يمكنها أيضًا، التمييز بين الزهور العاكسة الأشعة فوق البنفسجية عكسا مرتفعا، أو منخفضا كالزهور الصفراء والأرجوانية.
وكان الاستثناء هو اللون الوردي العاكس للأشعة فوق البنفسجية والحمراء في C. longiscapa، التي تختلف تماما عن عيون الإنسان، ولكن من المحتمل أنها تشبه غشائيات الأجنحة.
وربما يرجع هذا التنوع البصري لزهور C. longiscapa بشكل أساسي إلى الاختلاف بين أصباغ البيتالين (أصباغ صفراء وبرتقالية وأرجوانية)، والتي لا تعطي الأزهار ألوانا فحسب.
بل إنها تحميها أيضا من الجفاف وإجهاد الملح والأضرار الناجمة عن جذور الأكسجين التفاعلية تحت الضغط البيئي، وهي سمات مفيدة للغاية في الصحاري.
وافترض العلماء أن التنوع الدائم الملحوظ داخل أزهار C. longiscapa مدفوع بالاختلافات في الحساسية والتفضيل للألوان والأنماط المختلفة عبر العديد من أنواع الملقحات: تجربة تطورية تجري الآن، والتي غالبا ما تفلت من بصرنا.
وأوضح مارتينيز هارمس: يمكن تفسير الاختلاف الكبير في لون الزهرة داخل C. longiscapa إذا كانت الأنواع المختلفة من الحشرات الملقحة، من خلال تفضيلها لألوان وأنماط أزهار معينة.
وتابع، يمكن أن تتسبب في عزل هذه المتغيرات تكاثريا عن الآخرين من نفس النوع النباتي.
وأضاف، قد تؤدي هذه العملية المستمرة في النهاية إلى نشوء أجناس أو أنواع جديدة، وهذا مستمر، ويمكن أن تؤدي العملية في النهاية إلى تكوين سلالات أو أنواع جديدة.
وقال: في دراساتنا القادمة، سنقوم بالتحقيق بشكل أكبر في الهوية الكيميائية ومسارات التوليف البيولوجي للبِتالين وأصباغ الأزهار الأخرى، بالإضافة إلى علاقتها بسمات مثل الروائح، التي تنتجها الأزهار.
وأوضح، هذا من شأنه أن يساعدنا على فهم دورها في تشكيل التفاعلات بين النباتات والملقحات الخاصة بها، وفي تحمل النباتات للضغوط الحيوية وغير الحيوية في ظل ظروف مناخية متقلبة”؛ بحسب ما أورده موقع phys.org.
الجدير بالذكر، أن صحراء أتاكاما تشهد إزهرار جماعي للنباتات حاليًا، وذلك بسبب هطول أمطار غزيرة على المنطقة في وقت سابق من هذا العام، ما جلب اهتمام وسائل الإعلام من جميع أنحاء العالم.