هل الأمان العاطفي ضرورة ؟

بقلم / إلهام الجعفر الشمري  

لماذا تنكسر بعض العلاقات بسهولة عند أول منعطف في الحياة ؟ كيف يتحول الود إلى غضب مكبوت ومعاناة نفسية رغم جمال البدايات؟ لماذا يستحيل على الحب أن ينمو بين طرفين يُفترض أن كلاهما من بيئة جيدة وعقلية متشابهة ؟ وإن كان كلا الطرفان أشخاص مشهود لهما بالاحترام والأخلاق العالية فكيف يتعثرا في إيجاد وسائل لاستمرار الود والحب؟
لعل هناك لبس كبير لدى الكثير بين معنى الاحتياج للحب ، والاحتياج للأمان العاطفي ، فالأولى مطلب لكن الثانية أساس. فماالذي يعنيه الأمان العاطفي بالتحديد ؟ ولماذا يُحدث الأمان العاطفي فرق كبير في العلاقة ؟
الأمان العاطفي بمعناه البسيط هو الشعور بالراحة .. الراحة البعيدة عن القلق والظن والخوف الذي قد ينتابك وأنت تُفضي بأمور مهمة في حياتك أو تبسط ذاتك وأحلامك ورغباتك وحتى حماقاتك أمام شخص آخر . حتى الحديث عن أوجاعك ونقاط ضعفك لايكسرك أمامه ولاينتابك أي شك بأنه سيفهم وبأنه لن يدير محبته ودعمه وقلبه إلا ليحتويك .
في الأمان العاطفي لحظات إنصات غالية تجعل القلوب قادرة على التنفس ومجاراة القصص والحكايا من باب الدعم الذي يشبه حضن دافئ بدون أي كلمة تبشر بنصيحة أو انتقاد. ، لأن الانسان بطبعه يحتاج بين الحين والآخر إلى اللجوء لمرفأ يلقي نحوه مرساته دون الاحساس بأنه يكشف عورته ، وحتى في إظهار التعاطف هو يروي قلبك فتنسحب طاقته الهادئة نحوك بلطف لأنها مرتاحة وليست منهكة . ففي هذا التعاطف دعم ، والدعم لايعني الموافقة على كل ماتسمع ، إنما هو المسح الخفيف على الجروح والآلام علها تندمل .
خوف الانسان من لوم الآخر بالتقصير يدخله في حالة دفاعية وبدلاً من الانشغال بفهم الأسباب يعلق عقله بتبرئة نفسه. وعوضاً عن الانصات تشقق المقاطعات الكثيرة قلب الشريك فلا يعد يرى السند الذي كان يتكئ عليه . وعوضاً عن الإحساس بالأمان الذي يدفئ العلاقة ويطيل عمرها تتراكم المشاعر المغلوطة والمليئة بالامتعاض فتشرخ ذلك الجدار الصلب الذي من المفترض أن يجعل كلا الطرفان قادر على مواجهة أي تحديات . وهنا تكثر الأحاديث الصامتة المسمومة وتحول فوضاها كل الود إلى شعور بالوحدة .
في الأمان لايجب أن يشعر طرف بأن شريكه يستغل نقاط ضعفه وزلاته ليحقق بعض الانتصارات التي ستكون انتصارات هزيلة، وحينها لن يعود الحب إلا أعرجاً.
المرأة والرجل على حد سواء كائنان في حاجة لعلاقة دافئة بعيدة عن الاساءات اللفظية حيث ماتتركه في النفس أكبر بكثير من الاساءة الجسدية التي لايمحوها الزمن . وربما تكون الكلمات هي أكبر عامل محطم أو بانِ للود رغم أنها تعتبر في نظر البعض مجرد وسيلة للتعبير. وعندما ترتبط الكلمات بلغة جسد غير ملائمة تعلو فيها الأصوات وتتجعد الوجوه لتقطع حدة الجفاء خيوط الذكريات الجميلة وطرق التواصل الطبيعية بكل مافيها من مرونة وصبر .
الخطورة تكمن في منطقة نسميها المنطقة الخرساء ، ومايحدث في تلك المنطقة أكبر بكثير مما يحدث مع كثرة الكلام ، حيث تكبر الجروح وتتعثر وسائل الحوار وتتضخم مساحة التوقعات السلبية ولايصبح للأسئلة مجال إلا لتقطع الأمل من مهده.حينها من الحمق الاستمرار في الاعتقاد بأن كل شيء على مايرام .
يجب أن ندرك بأن هناك مفايتح مهمة لاتتشابه بين الشركاء . فما يمكن أن يُشعر شخص بالراحة قد يستفز الآخر . والاهتمام الذي يراه البعض تحصيل حاصل وأن مطالبة الطرف الآخر فيه ترف يكون في غالبية الأحيان جزء من صمود الروح . بدون اهتمام ولو بالقليل يسود الكسل أي علاقة مهما بدأت قوية .
ويبقى في ظل العلاقة امرا عالقاً لايمكن الثبات بدونه وهو القدرة على إطفاء الإحساس بالقلق والأسئلة التي تترنح في العقل .. هل أنا بالفعل مطمئنة من أن شريكي لن يفتح الباب يوماً مغلقاً على آمالي فيه لغير رجعة !! وهنا الخوف ليس من فعل الغلق بل من تقطيع خيوط الأمان شيئاً فشيئاً إلى أن تُحول هشاشة الإحساس الاستقرار إلى وجع لا إصلاح من بعده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى