الانتظار والشغف والألم

بقلم / حمود الصهيبي  

أحياناً، وفي بعض لحظات انتظاري أمر ما، تقفز إلى مخيلتي أسئلة شتى حول مغزى الانتظار وما يفعله في نفس الإنسان. أتساءل: هل سيتحقق ما أنتظره؟ أو هل سيتم تأجيل الأمر وأبقى في حالة الانتظار القلقة؟
تتقاذفني الأفكار، وأشرع في تنظيم مخزوني الفكري، علّي أصل إلى فكرة مقنعة. أجد نفسي أمام طيف واسع من المقولات التي كنت أحفظها في ذاكرتي. وتحضر مقولة عبد الرحمن منيف: “أكبر عذاب هو انتظار من لن يأتي”. إنها مقولة يطغى فيها الجانب السلبي في التفكير على الجانب الإيجابي، وكأن وعيي في تلك اللحظة انتقى ما يخبئه لاوعيي.
يقول باولو كويلو: “الانتظار مؤلم، والنسيان مؤلم أيضاً. لكن معرفة أيهما تفعل، هو أسوأ أنواع المعاناة”. وهنا يؤكد كويلو على الجانب السلبي أيضاً، لأن طبيعة المبدع غالباً ما تكون منحازة إلى المعاناة والألم.
ولكن علينا ألا نضيع ما هو ممكن في انتظار ما هو مستحيل. ويقول ألكسندر دوماس: “تتلخص كل الحكمة الإنسانية في كلمتين: الانتظار والأمل”. أي أن الانتظار إيجابي ومليء بالأمل، ومن دون الأمل يكون الانتظار عقاباً قاسياً. أما إمرسون فيرى بأننا نقضي وقتاً كبيراً من حياتنا في الانتظار. ولكن انتظار ماذا؟ وما هي أهدافنا التي نسعى إليها وننتظر تحقيقها؟
ومن هنا يجب علينا إلقاء الضوء على الحالة النفسية للشخص الذي ينتظر. فبرأي إدواردو غاليانو، فإن الجحيم هو الانتظار. وكأن غاليانو يقذفنا إلى فوهة البركان، من دون أن يعطينا فرصة لتأمل نتيجة الانتظار.
ولأن الانتظار مؤلم، فهو يحول الزمن إلى لازمن، والشيء إلى لا شيء، والمعنى إلى لا معنى، كما تقول نوال السعداوي. أي أن الانتظار هنا، يضعنا في حالة اللاوقت واللامكان واللامغزى. إن ألم الانتظار يغير نظرتنا إلى الحياة، وقد يرمينا في دهاليز التيه.
يجد محمود درويش مخرجاً من ألم الانتظار، ويرى أن الصداقة هي الوحيدة التي تهرب من براثن الانتظار ويقول: “أجمل ما في الصداقة أنها خالية من الانتظار”.
الزمن المهدور في الانتظار يعتمد على أمل المنتظر. فهناك من ينتظر على أمل حدوث شيء مبهج، وهناك من ينتظر بلا أمل ويدرك ذلك. فها هو كافكا قد هدر حياته في الانتظار حتى وهنت قواه، ورحل كعود شجرة يابس.
أمام هذه الأفكار، أعود لأرتب أفكاري حول معنى الانتظار.
تراودني فكرة أن الانتظار هو اللحظات التي يعيد فيها المرء تجميع ما تبعثر. وهذا صحيح تماماً. وأحياناً أنظر إلى الانتظار على أنه تأمل وقراءة الوجوه والأشياء والأمكنة في عمر الزمن. إنه يمنح الخيال آفاقاً واسعة. إنه الوقت الذي يسبق وقت اللقاء.
حين تنتظر وأنت غارق في الأمل، ستجد أن لديك فرصة لاتخاذ قرارات جيدة. وأثناء انتظارك سيمر شريط ذكرياتك في ذهنك، وتعيد ترتيب أفكارك.
وأخيراً، ورغم ألم الانتظار، فإنه كلما طال انتظاري، كان اللقاء المنتظر أشهى. إنني في هذه الحالة أكون مرتبكاً، ولكنني في حالة من الوجد أحسد نفسي عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى