نفعل مانحب أو نحب مانفعل

بقلم /سهام الرميح  

عندما تتحطم طموحاتنا على صخرة الواقع وتتلاشى خيوط الحرير التي لونتها أحلام اليقظة فترسم لنا الحياة طريقاً غير الذي خططنا له وحلمنا به. فالحياة لاتهبنا كل ما نتمنى دائماً فيجبرنا الواقع أن نقبل بأشياءَ لا نحبها ولا نرغب بها لأنها لم تدع لنا خياراً آخر سواء على مستوى العلاقات الاجتماعية أو الزواج أو العمل فينقسم البشر حيال ذلك الأمر إلى: شخص يقبل ما كتب له ويتكيف بما وهبه الله له وينظر إلى إيجابياته متغاضياً عن سلبياته .
وآخريقبل ما فرض عليه مجتهداً في إيجاد الفرصة للحصول على ما يريد رافضاً الاستسلام متأملاً بغدٍ أفضل .
والبعض يقبع في مكانه مكتوف الأيدي معلناً رفضه بانتظار الفرصة التي قد لا تأتي فهو لم يحاول إزاحة الستار عن النافذة ليرى النور .
مسقطاً استسلامه على شماعة لا أرغب به ولا يناسبني وغير متفق مع مؤهلاتي؛ لذلك نجد أنفسنا بين خيارين، فإما أن نفعل ما نحب أونحب ما نفعل .
فتهمس بمسامعنا تلك العبارة الشهيرة ( حب ماتعمل حتى تعمل ماتحب ).
فالمتأمل لهذه المقولة يدرك أثر الحب والرغبة بزيادة الدافعية ، والحافز على مستوى الإنتاجية والإبداع.
فإذا لم يوجد ذلك الحب هل نرفض الأمر الواقع ونقف في محطة الانتظار؟ فعلى سبيل المثال هل ينهار بيت الزوجية لأن كناري الحب لا ترفرف على نوافذه ؟
وهل الزواج الناجح لا يبنى إلا على الحب ؟ قد يكون الحب من قواعد الحياة الزوجية ولكنه ليس الأساس في العلاقة فكم من علاقات أسرية يشار إليها بالبنان و لم يدغدغ مشاعر أصحابها الحب ولكنهم تعاملوا مع الحياة بواقعية فلم يجنح بهم الخيال إلى عالم رومانسي الملامح .
وما أعظم قول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لرجل أراد أن يطلق زوجته ؛لأنه لا يحبها : ويحك ! ألم تبنَ البيوت إلا على الحب ؟
وتعاملنا مع الآخرين ممن تفرضهم الحياة علينا قسراً رغم أننا لا نرغب بهم فنحن رغم ذلك نجالسهم ونخالطهم ونشاركهم ونتشارك معهم نحن لا نغير طبيعة الأشخاص الذين نتعامل معهم ولن نفعل شيئاً تجاه مشاعرنا حيالهم ولكن نستطيع أن نبدل طريقة تفكيرنا ونظرتنا نحوهم بما يكفل سلامتنا النفسية فالواقع يحتم علينا التكيف والتجاهل، فمعظم العلاقات الاجتماعية المتوترة بين البشر نتيجة رفضنا للآخر ، فقبول الآخر كما هو وعدم النقد يخفف من حدة التوتر فليس دائماً قبول الأمر الواقع نموذجاً سيئاً أو مؤلماً فالمواءمة بين ما نريده ونطمح إليه كثيرة وما نستطيعه ونقدر عليه قليلة؛ لذلك افتح النوافذ وعش الواقع طالما لم يسبب لك ألماً .
فالحصول في وقتنا الحالي على العمل الذي يتوافق مع رغبة وميول وتخصص الكثير منا أمر أضحى بعيد المنال وأشبه بالحلم نتيجة لاحتياج سوق العمل وقد نعمل بما نحب فتفرض علينا المؤسسة ما هو ضد قناعاتنا وننجح بتنفيذه، فتكرار العمل يؤدي إلى إتقانه والنجاح بعمله من أول مرة محققاً بذلك مفهوم الجودة فهذا يجعلنا نتفق مع القول الثاني ( أحب ما تعمل) فحبنا لما نعمل أو ما تجبرنا عليه الحياة ليس ضعفاً أو استسلاماً كما يرى البعض ولكنه واقعية تحتمها الظروف فقد يحقق لنا ما يفرض علينا مكاسب مالية وعلاقات اجتماعية واكتساب مهارات جديدة نتقنها وقد يكون لهذا العمل هدف مرحلي يصل بنا للهدف الأساسي الذي نريده وقديظهر منطقتنا المجهولة التي نمتلكها للنور
‘ فالفرصة قد لا تأتي أن أفعل ما أحب أو أحصل عليه لذلك علينا أن نحب أي عمل نقوم به ونخلص فيه حتى لو لم يكن هو ما نحلم به. فقط أقبل عليه بحب إرضِ عنه داخلياً وتكيف معه انظر بشمولية على أنها تجربة جديدة قد تصل بك إلى مرفئ أحلامك فليس كل ما نتمناه ندركه، اعلم أن ذلك ليس بالأمر السهل أن تقبل شيئاً دون قناعة أو حب وقد لا يفلح به الكثيرون منا فلا أحد يعيش الحياة كما يرسمها هو فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( يؤجر المرء رغم أنفه ) فكم من إبداع سُجِّل في غير مجال التخصص. فقبول الفرص المتاحة بالحياة مفتاح يؤهلك لامتلاك المهارات والأدوات التي تساعدك في تحقيق مبتغاك فبالحب تصبح الأشياء أسهل وأجمل .
و بالرضا نصل للأمن النفسي والقناعة فحبك لعملك هو الحافز الداخلي الأقوى و المحرك لدافعيتك و المساند لك في تحمل ضغوط العمل عندما تتعدد المهام وتتضخم الأعباء وهو ما يؤهلنا للتغلب على كافة العقبات التي تواجه طريقنا فهو الشاحن الخفي لطاقاتنا .
فمن المهم أن تتمسك بحلمك ولكن الأجود أن تعمل شيئاً لتحقيقه .

بقلم /سهام الرميح
كاتبة سعودية

‫3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى