قراءة أنطباعية في ديوان ” حالة شعر ” للشاعر / نواف التركي

بقلم/ حمود الصهيبي  

يقول جبران خليل جبران ‏”ليس الشعرُ رأياً تُعبّر الألفاظ عنه ، بل هو أنشودةٌ ، تتصاعد من جرحٍ دامٍ ، أو فمٍ باسم” ، و”الشعرُ كثيرٌ من الفرح والألم والدهشة ، مع قليل من القاموس”.
, عندما يكون الحديث عن”نواف التركي “يتسم بالأرهاق لأن الحديث عن هذه الظاهرة -إن جاز لنا تسميتها – لا تنتهي ابداً ، والشعر يختزل الكلام والكلام لا يختزل الشعر ، وما تلتقطه عين -الرسام ، المصور – يلتقطه لسان الشاعر ، ، وكلماته ينتقيها ويقطٌف لنا منها ما يليق، فما أن يذكر نواف التركي فأن اول ما يلوح في شريط الأبيات الخالدة والتي سارت بها الركبان وتناقلتها يقول فيها :
إمّا تورّدها مواريد الأبطال
ولا إسترح خلّ المراجل لأهلها
المخترع من الشعر هو: ما لم يسبق إليه قائله، ولا عمل أحد من الشعراء قبله نظيره أو ما يقرب منه يستحسنه الأستهلال والقفلة .وما تلتقطه عين -الرسام ، المصور – يلتقطه لسان الشاعر ، ، وكلماته ينتقيها ويقطٌف لنا منها ما يليق ، لأستنطاق جمالية النص والمقايسة بنفس النص السابق ..
وتراتبية المعنى والمبنى وكل فن خط متوزي مع نص آخر والتوالد وفق معياره ووفق مفهوم توالد النصوص
والأدب بكافة فنونه هو الأدب من غمام واحد … والشعر غذاء الروح والقلب ويعبر عن ذخائر النفس كما نعرف ، وكان يقال الأنسان ابن بيئته والصحيح الأنسان ابن قراءاته .
ديوان” حالة شعر” للشاعر نواف التركي والصادرة عن أكادمية الشعر من دائرة الثقافة والسياحة لجنة إدارة المهرجانات في ابو ظبي أبان مشاركته في مسابقة شاعر المليون الموسم الثامن ويقع الديوان في(155) صفحة من القطع الصغير يضم على 56 قصيدة منها ( 38 )قصيدة عمودية و (18 ) قصيدة التفعيلة ( الحر ) , تراتبي بواقع قصيدتتن عمودي وقصيدة تفعيلة , لتتيح للقارئ القراءة بسلاسلة والتنقل بين العمودي والتفعيلة , بدون رتابة , ولتفتح نوافذ يطل من خلالها على لوحات رسمتها الطبيعة , وهذهِ التراتبية تحسب له , لم اجدها في أي ديوان بهذا الترتيب , وكان أختياره لعناوين القصائد , تتراوح بين كلمة وكلمتين وجملة في بعض الأحايين , وتصدرت قصيدته حالة شعر ” حانة شعر ” في الصفحة( 132 ) عنوان الديوان والذي ارادها حانة شعر فيما أظن او توهم قارئ ظن ذلك وسأقوم بالمرور وأعرج على العشرِ قصائد الأولى وسأكتفي بها لجعل القارئ يغور اسبارها ويكتشف ما لم اكتشفه في هذا الديوان .
بدأ الشاعر في أولِ قصيدتين عموديتين في غرض المديح كانت الأولى في صاحب السمو الملكي ولي العهد محمد بن سلمان حفظه الله ,لم تكن قصيدة تقليدية يتفتق الأبداع من خلال حروفه , عندما قال :
وأنا أفصح اللي يكتب بقلب ولسان
لكنّك أعجزت القصيد يتخيّلك
والثانية في الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات ,والتي لم تبتعد عنها في الأبداع وأتى بما لم يأتي بهِ الأولين عندما قال :
سيف الأمارات لو ماني بابو الطيب
ابي اتنبّى لمجدك عليّ ارقى له

ثم أنتقل بعد ذلك إلى التفعيلة بقصيدة بعوان “وداعاً لأني الأجل” والوداع موجع في كل حالاته ويكون أكثر وجع عندما قال :
وإذا مريت بشفاة الحديث وغنّت الذكرى
وإذا جابتني الذكرى
بربك شف لها صرفه
وفي أفق تبديد الوجع في دورات الأيام يطالعنا ببيت مدهش يختصر كل الكلام في قوله :
تعال يا من بضحتك الضلوع تعمر
رجع للأيام ما يستاهلل أحيا لها ؟

وهنا صورة تصاغ بأسلوب أخباري غير منصهرة ببوتقة الشعر في صورة مباشرة في تعبيرها الفني ولم يكتفي بالمشاهد الخارجية للصورة وإنما هناك عمق تجسده مقاطع كثيرة في القصيدة ويجيب هنا :
هذي هي اخباري اللي مبطي أخباري
ما جد عقبك جديد ولا سأل عني

ويتجدد باسلوبه الذي لا يشببه سواه , لخلق قصيدة والنفخ فيها من روحه وهذهِ السمفونية العذبة :
تعال امطر
تعال وشوف وشلون ابعث الميت من الاحساس من قبره
تعال انفخ لك بروح الشعر ما يطرب الأرواح
انا ياسيدي ؤب الكلام الموجع المرتاح
وهنا نتذكر بيت للأمير الراحل بدر بن عبدالمحسن : يقولون الذي كاره يدور للفراق اسباب , مع فارق التشبيه بين البيتن واجتمعت فيها الفراق ويضيف نواف التركي بعزة نفس وشموخ في عجز البيت حيث قال :
اللي مفارق ما هو محتاج عذر وسبب
أشره على اللي يهزه ف الغياب الحنين

ومن الصور الشعرية البديعة التي تفردت بها مخيلة شاعرنا توبته من الذنوب ما عدا ضحكتها حيث قال :
كل ذنبٍ قدرت استغفره ما عدا
ضحكةٍ ينبلج عنابها ببردي
المدى ضاق والحادي جفاه الحدا
والنهايات مكتوبة قبل نبتدي

وهنا تكون المشهدية متتالية في صورٍ بديعة خلابة يتشكل من خلالها لذة النص بتفاصيله الدقيقة :
رخيصة عندك الارواح
وانا نا غير قلبٍ كان ..
حديثٍ حيّ ما قدرت تصيده بندق النسيان

ويأتي صوته مثخن بالوجع وطعنات ملوثه بهذا النص الموجع حد الوجع :

يايبه والجواعى يرجمون النخيل
عالمٍ ما يسد حلوقها الا التراب
يشبحون القريب واشبح المستحيل
والليالي طويلة بال والصبر شاب

وبهذهِ الحضور الذي لا يشبهه حضور والصوت الذي لا يشبهه صوت سوى حضور وصوت “نواف التركي” وبثقة المتمكن من أدواته يكتب للحضور ويبرهن عن وجوده حتى وأن تغرم الناس بطرد السراب :

بكرة نعرف من يبقى لصوته أثر
من كتب للحضور ومن كتب للغياب
يتفع الارض دمع الغيمة اليا انتثر
لكن الناس مغرومة بطرد السراب

وأخيرا وليس آخراً أقرؤوا هذا الشاعر بعموديته وتفعيلته ليظهر لنا حالة شعره .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى