التعليم : رسالة أم وظيفة

بقلم / الدكتور أحمد الشمراني  

في عالمنا اليوم، يحتل التعليم مكانة مركزية في المجتمع، فهو ليس مجرد وسيلة لاكتساب المعرفة، بل يُعَدّ أداة أساسية لتشكيل العقول والأفكار وإعداد الأفراد لمواجهة تحديات الحياة. ومع ذلك، يبرز تساؤل مهم: هل التعليم رسالة نبيلة ترتكز على القيم الإنسانية، أم وظيفة تهدف أساسًا إلى كسب الرزق وتلبية الاحتياجات المادية؟ هذا السؤال يزداد إلحاحًا في ظل تزايد أعداد الخريجين الذين يدخلون ميدان التعليم بحثًا عن الاستقرار المالي، مما يثير النقاش حول تراجع الرسالة مقابل تصاعد النزعة المادية.

التعليم في جوهره رسالة سامية تهدف إلى تنشئة الأجيال وتوجيههم نحو القيم الإنسانية ، والإبداع. المعلم الذي ينظر إلى التعليم على أنه رسالة يتجاوز حدود نقل المعلومات ليصبح ملهِمًا ومرشدًا. فهو يسهم في بناء شخصية الطالب، وتطوير مهاراته، ليصبح عنصرًا فعّالًا في المجتمع.
هذا النوع من المعلمين يرى في التعليم فرصة للمساهمة في تحسين حياة الآخرين، ويعتبر أن نجاحه لا يُقاس فقط بالنتائج المادية، بل بمدى تأثيره الإيجابي في حياة طلابه. هؤلاء المعلمون غالبًا ما يتحلون بالشغف والإيمان العميق بدورهم في بناء مستقبل أفضل.

على الجانب الآخر، يرى البعض التعليم كمهنة تُؤدى للحصول على دخل شهري ثابت وتلبية الاحتياجات المادية. ومع الارتفاع المستمر في تكاليف المعيشة، يصبح الدافع المادي لامتهان التعليم أمرًا مشروعًا، لا سيما في ظل البحث عن استقرارمالي ومستقبل مهني آمن.
في هذه الحالة، يُنظر إلى التدريس كوظيفة تُقدم امتيازات مثل الإجازات المتزامنة مع العطل المدرسية وساعات العمل المحددة، مما يجذب العديدين للعمل في هذا المجال دون اهتمام حقيقي بجوهر الرسالة التعليمية.

ما يزيد من تعقيد هذا الأمر هو أن العديد من المعلمين يجدون أنفسهم محاصرين بين متطلبات الحياة اليومية وأعباء العمل التعليمي. فقد يدخل البعض ميدان التعليم حاملين حلم الرسالة، لكن سرعان ما يُغلب عليهم هاجس الراتب والمردود المادي، خاصة إذا واجهوا تحديات مالية تضطرهم للتنازل عن بعض مبادئهم.
ومع ذلك، لا يعني السعي للاستقرار المالي أن المعلم سيفقد جوهر الرسالة. يمكن للمعلم أن يحقق التوازن بين العمل كوظيفة تتطلب الالتزام والانضباط، وبين دوره كحامل لرسالة تتطلب الشغف والالتزام الأخلاقي. يعتمد ذلك على القيم التي يؤمن بها الفرد ومدى ارتباطه بمهمة التعليم.

يمكن تحقيق هذا التوازن من خلال تطوير الذات، والتحفيز الداخلي، والشعور بالمسؤولية تجاه الطالب والمجتمع. فالتعليم هو رسالة عميقة المعاني، ولكنه أيضًا وظيفة يحتاج الإنسان من خلالها إلى تأمين احتياجاته المادية.

التحدي الأكبر الذي يواجه المعلم هو كيفية الحفاظ على رسالته مع تحقيق استقراره المالي. التعليم لا يجب أن يُنظر إليه من زاوية مادية بحتة أو مثالية مجردة، بل هو دعوة للجمع بين الرسالة والوظيفة في إطار من التكامل والتناغم. فالمعلم الناجح هو من يستطيع أن يوازن بين دوره كمرشد ومربٍ، وبين احتياجاته كإنسان يسعى لتحقيق حياة كريمة.


تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى