الظاهر والجوهر
في هذا العالم المليء بالصور البراقة، ينشغل الكثيرون بما هو ظاهر، متجاهلين ما يكمن في عمق الأشياء من جواهر ودلالات. فكل صورة جميلة، وكل كلمة ساحرة، قد تحجب وراءها جوهراً أعمق، كالسحاب الذي يحجب النجوم، فلا يدرك بريقها إلا من سعى لاكتشاف حقيقتها.
حينما نقرأ نصاً أدبياً أو نتأمل خطاباً بليغاً، نجد أنفسنا أحياناً مأسورين بالعبارة، بنغمة الألفاظ وسلاستها، في حين أن القيمة الحقيقية تكمن في المعنى الذي تحمله، في الرسالة التي تتجاوز حدود الكلمات لتصل إلى أعماق النفس. فالعبارة هي الظاهر، أما المعنى فهو الجوهر؛ العبارة كالصورة التي تُدهش العين، بينما المعنى هو الفكرة التي تلامس الروح وتترك فيها أثراً لا يُمحى.
وعلى نحوٍ مشابه، تنعكس هذه الثنائية بين الظاهر والجوهر في جميع نواحي حياتنا اليومية. قد نجد من يسعى إلى امتلاك الأشياء البراقة، معتقداً أن الجمال يكمن في المظهر فقط، فلا يلبث أن يشعر بخيبة حين يدرك أن بهاء المادة زائل، وأن الروح هي التي تبث الحياة في الأشياء وتمنحها قيمة. ربما يشتري أحدهم منزلاً فخماً أو يقتني سيارة فارهة، ليكتشف مع الوقت أن السعادة لا تُشترى بالمال، وأن الطمأنينة لا تتولد من المظاهر، بل من معاني الأشياء وقيمتها الجوهرية.
وفي العلاقات الإنسانية، نرى هذا التوازن بين الظاهر والجوهر بوضوح أكبر. قد ينجذب أحدنا إلى جمال إنسان آخر، فينبهر بحسن ملامحه ورونق حضوره، لكنه يدرك مع الوقت أن جوهر الإنسان هو ما يبقى، وأن الروح هي التي تضيء جمالاً لا يبهت بمرور الأيام. قد يعبر البعض عن إعجابهم بشخصيات تشع بريقاً ظاهرياً، لكنهم يجدون أنفسهم بحاجة إلى عمقٍ يبث الطمأنينة ويغذي أرواحهم، وهو ما لا يمكن أن يقدمه الجمال الخارجي وحده.
إذًا، فإن التكامل بين الظاهر والجوهر هو سر الحياة الحقيقية؛ هو التوازن الذي يجعل الإنسان يرى بعينين واعيتين، فيدرك الجمال في شكله وروحه، ولا ينخدع بالمظاهر وحدها. فالحياة التي لا يتوازن فيها الظاهر مع الجوهر تظل فارغة، أشبه بصورة خالية من المعنى. الإبداع الحقيقي هو أن نكون قادرين على رؤية ما وراء السطح، أن نلمس الجوهرة المدفونة في أعماق الأشياء، وأن نعيش بعمقٍ يجعلنا نُحسن فهم الدنيا بجميع أبعادها.
مقالة الدكتور أحمد الشمراني في المجلة تناولت بذكاء العلاقة بين الظاهر والجوهر، وهي فكرة قد تبدو مألوفة لكنها قُدمت بأسلوب عميق يلامس واقعنا اليومي. الكاتب نجح في توضيح أن السعي وراء البريق الظاهري غالبًا ما يُبعدنا عن إدراك القيمة الحقيقية للأشياء.
ما أعجبني في المقالة هو التركيز على أن الجمال ليس مجرد شكل أو مظهر، بل هو فكرة ورسالة تعيش في عمق الأشياء والأشخاص. سواء في النصوص الأدبية أو في العلاقات الإنسانية، المعنى الحقيقي دائمًا أعمق مما تراه العين.
كما لفت المقال النظر إلى أهمية التوازن بين الظاهر والجوهر، وهو أمر نفتقده في عالم اليوم الذي باتت فيه المظاهر تطغى على المعاني. الرسالة واضحة: لا تنخدع بالبريق، بل ابحث دائمًا عن الحقيقة والمعنى.
مقال يستحق الإشادة، لأنه دعوة للتفكير والتأمل في حياتنا اليومية ولإعادة النظر في ما نعتبره قيمًا حقيقية. شكراً للدكتور أحمد الشمراني على هذه اللمسة الأدبية التي تجمع بين الفكرة والقيمة.
الله ..مقال رائع دكتور أحمد
جميل هذا التوازن وهو لب الصحه النفسية أن يتكامل داخلك مع خارج شكرًا للمعاني العميقة التي يحملها قلمك.