صديقي “الببلوماني”

بقلم / حمود الصهيبي  

ما أن يفتتح معرضا للكتاب إلا ويحرص على ان يتواجد بهِ بل يمكث طيلة المعارض في أغلب الأحيان ، ويخرج منه بحصيلة كبيرة جدا ، وينشر في حسابه حصيلة كتب من معرض الكتاب ، لكن السؤال الذي يدور في ذهني هل سيقرأ كل هذهِ الكتب ؟ وأين يجد الوقت الكافي لقراءتها ؟
أن تكون لك الرغبة في اقتناء الكتب أمر جيد لكن أن تفرط في شراء الكتب وتكون حبيسة الرفوف هذا امر سيء ، وهذا ما يسمى ” الببلومانيا”هوس جمع الكتب الذي تحول من الشغف إلى الاضطراب،ومصطلح “ببلومانيا” مشتق من الكلمة اليونانية “biblion” (كتاب) و”mania” (هوس). يُعرِّفها علم النفس الحديث كاضطراب سلوكي يتمثّل في الرغبة غير المنضبطة في اقتناء الكتب، بغض النظر عن محتواها أو قيمتها، مما يؤثر سلبًا على حياة الفرد المادية والاجتماعية.
ففي عالم يقدّس المعرفة، يتحوّل حب الكتب لدى البعض إلى هوسٍ غامض، حيث تصير المكتبة الشخصية امتدادًا للهوية، وكل كتاب إنجازًا وجوديًا. هذه الظاهرة تُعرف باسم “ببلومانيا” وهي حالة تتجاوز مجرد الشغف بالقراءة إلى جمع الكتب بشكل قهري، غالبًا دون قراءتها. وتتحول الاضطراب.
وقد ظهرت الدراسات التي تفيد ان الاهتمام المرضي بجمع الكتب مع ازدهار الطباعة في القرن الخامس عشر، لكنّ المصطلح دخل حيّز الاستخدام العلمي عام 1809 عبر القصيدة الساخرة “الببلومانيا” للطبيب البريطاني جون فيريار. ومن أشهر الحالات التاريخية:
– توماس فيليپس(1792–1872): جامع بريطاني امتلك أكثر من 100 ألف مخطوطة نادرة، مدفوعًا بهوس حفظ التراث.
وتطور المرض في مواكبة التقنية اللحديثة في عصر الكتب الرقمية، واصبح الهوس بالكتب الورقية تراجعًا، لكنّ الببلومانيا تتجدّد بأشكال جديدة، مثل تخزين آلاف الملفات الإلكترونية دون قراءتها. يُذكّرنا هذا الاضطراب بأن المعرفة الحقيقية ليست في الامتلاك، بل في التفاعل النقدي مع الأفكار.
الببلومانيا مرآةٌ لتناقضات العقل البشري: فبينما تُعتبر الكتب جسورًا إلى الحكمة، يمكن أن تتحوّل إلى سجونٍ من الورق. الفارق بين الهواية والاضطراب يكمن في مدى تحكّمنا بهذا الشغف، لا تحكّمه بنا، لدرجة يُصبح فيها الشغف بالكتب مُضرًا بالحياة اليومية للفرد ، وهي ليست بشيء جديد فقد ذكرها الكاتب إدغار آلان بو في قصته الساخرة “الحياة الأدبية لثينجام بوب”، التي يسخر فيها من هوس جمع الكتب.

‫4 تعليقات

  1. قد تجدهم يشترون ماهو موجود عندهم سابقا فـ يفوتون شراء غيره له ، وهذا قد يكون اسوأ ما في الامر ، انما من جانب اخر عير حالتهم السلوكية هو غالبا امتلاكهم للمال الذي ينفقونه بسخاء على الكتب، ولو كانوا يصارعون على قوت يوههم لخف بعض مقدرتهم على الاقل، وبالتالي هؤلاء معروف تصنيفهم الاختلاف هو في ميلهم للكتب

  2. المقال يحمل بعدًا واقعيًا عميقًا، إذ يسلط الضوء على ظاهرة منتشرة تُجسد التناقض بين المظهر والجوهر، حيث تتحول الكتب من أدوات للمعرفة إلى مجرد زينة تستعرض كأدلة زائفة على ثقافة غير موجودة. إنها صورة تعكس استهلاك الفكر كواجهة اجتماعية لا كقيمة حقيقية، كمن يقتني المرآة لا ليبصر ذاته، بل ليُري الآخرين انعكاسًا يحاكي ما يريدون رؤيته. القراءة ليست في امتلاك الكتب، بل في امتلاك القدرة على الغوص في عوالمها، في أن تصبح الكلمة جزءًا من وعي القارئ، لا مجرد حروف تملأ رفوفًا خاوية من الفكر.

    ادام الله قلمك استاذ وجميل جداً ما طرحت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى