شذرات أنثى .. كن أسدا ولا تكن ثعلبا

بقلم / هاجر العتين  

يُحكى أن رجلاً أرسل ابنه في تجارة، وبينما هو في طريقه، مرَّ بثعلب هرم قد أثخنه المرض فلا يكاد يتحرك، وقف أمامه متأملاً، كيف يرزق هذا الحيوان الضعيف؟ وما أظن إلا أنه سيموت جوعاً.
وبينما هو مستغرق في التفكير إذ أقبل أسد كبير حاملاً فريسة فبرك قريباً من الثعلب، فأكل منها ما شاء أن يأكل، ثم انصرف، فتحامل الثعلب على نفسه ووصل إلى بقايا الفريسة وأكل منها حتى شبع، عندئذ قال الشاب في نفسه: إن الله يرزق المخلوقات جميعاً، فلماذا أتحمل مشاق السفر وأهوال الطريق؟
عدل الشاب عن سفره، وعاد إلى أبيه، وقص عليه ما رأى، ولكن الوالد الحكيم رد عليه: أنت مخطئ يا بني فإنه أشرف لك وأعز أن تكون أسداً تأكل الثعالب من بقاياك، لا أن تكون ثعلباً تنتظر بقايا السباع.. انتهى.

نعم عزيزي القارئ الكريم كن أسدا ذو فضل ولا تترقب فضلة الاخرين وهذا مصداقًا لحديث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ الله، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله) متّفقٌ عليه.
اليد «العليا» كناية عن اليد التي تعطي، خير من اليد السفلى, كناية عن اليد التي تأخذ، ولكن الحديث الشريف وصفهما بأن في كليهما خيراً، ولكن صفة الخير لليد العليا ولليد السفلى لا يمكن أن تتحقق إلا إذا كان عطاء اليد العليا لوجه الله تعالى ومن أجل الحصول على الثواب والأجر منه عز وجل لا من أجل هدف دنيوي.
فكل خلق قويم يد عليا فالصدقة التي لا تتبعها من ولا أذى ومن طيب نفس وغايتها رب يرضى ويد يسرى لا تعلم ما قدمت اليمنى فهي يد عليا .واحسان وإكرام لمحتاج وعابر سبيل ومستعفف فقير وجار وصاحب يد عليا .
وبشاشة وطلاقة وجه في وجوه خلق الله يد عليا ،وسماحة والتماس الاعذار لمن حولنا يدا عليا ،وانزال الخلق منازلهم وسلامة الصدر واحسان الظن يد عليا . صور متعددة لخلق العطاء واليد العليا التي نحتاجها من بعضنا بعضا .
فالناس لا تحتاج لقمة تطعمها مغموسة بيد المذلة والهوان ولا يستقيم أودها النفسي مع فضاضة اللسان ،وتنكسر خواطرها ولا تجبر إن استنقص حجم كرامتها ولو زيد لها في المكيال . فرب كلمة رفعت ارواحا لعنان السماء ورب كلمة هوت بالأرواح اسفل بقاع الأرض فالإحسان لخلق الله بالتلطف يد عليا وفضائلها لا تعد ولا تحصى في جبر القلوب والمواساة وخير من عطاء مادي لا يعادل معشار ذلك الجبر والاحسان .
ومن المحزن أن نرى أجيال لبسوا خلق الثعلب في أكل بقايا السباع فلا همة ولا عزم ولا تفكير في تغيير الواقع وتراه يندب حظه أنه ولد في زمن ارتفع الدولار وارتفعت الاسعار ورخصت الانفس وفازت الاسود الاوائل من أباء واجداد فترى الشاب منهم همه قوت اليوم ولا يفكر في ادخار وأن قلت له ما خطتك للعام القادم تراه يضرب اخماسا في اسداس ويقول اسألني عما سأكله غدا ، واذا قلت له هل تجعل لك صدقة تعينك على دفع البلاء وترفع الاجر والعطاء فيرد أعلى افقر مني ؟ ولو تأمل حديث اتقوا النار ولو بشق تمره لعلم فائدة اليد العليا .
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في بدائع الفوائد2/243: (ما يكاد العين والحسد والأذى يتسلط على محسن متصدق، وإن أصابه شيء من ذلك كان معاملاً فيه باللطف والمعونة والتأييد، وكانت له فيه العاقبة الحميدة، فالمحسن المتصدق في خفارة إحسانه وصدقته، عليه من الله جنة واقية، وحصن حصين).
ونقل ابن قتيبة في عيون الأخبار1/339 عن ابن عباس قوله: (صاحب المعروف لا يقع؛ فإن وقع وجد متّكأً).
وتصديق ذلك قول خديجة ـ رضي الله عنها ـ للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (والله لا يخزيك الله أبداً، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) أخرجه البخاري ومسلم.
ولم أر كالمعروف أمَّا مذاقه … فحلوٌ وأمَّا وجهه فجميل
وقال الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه …لا يذهب العرف بين الله والناس

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى