هل نعاني من الاحتراق الوظيفي دون أن نعلم؟

بقلم / رشا الطاهري  

تمضي إلى عملك متثاقل الخطوات، تنهي مهامك على مضض، تخطف النظر إلى ساعتك بين الحين والآخر حتى تحين ساعة الفرج. يتملكك بين الحين والآخر شعور فقدان الشغف وانطفاء الحماس تجاه عملك، ولم تعد تنتج في عملك كما عهدت. قد تظن أنك لوحدك تخوض هذا الشعور ولا تجد تفسيراً له تخبئه عميقاً في داخلك خوفاً من أن تتحدث به.
كل ما تمر به يصنّف بالإجهاد النفسي الوظيفي أو الاحتراق الوظيفي ويعد من أهم أسباب الاستقالة من العمل، وقد اعترفت منظمة الصحة العالمية، لأول مرة، بـ “الاحتراق الوظيفي” ضمن التصنيف الدولي للأمراض (ICD)، وعرفته بأنه “متلازمة ناتجة عن إجهاد مزمن في مكان العمل لم تتم إدارته بنجاح”
قد يصيب الاحتراق الوظيفي أيا منا دون سابق إنذار، وتبدأ شعلة الحماس لدينا بالاختفاء تدريجياً ونشعر بتدن في مستوى الإنتاجية والطاقة ويبدأ الإحباط بالتسلل إلينا، ولكن حدوث ذلك يكون نتيجة لأسباب عديدة منها ما يرتبط بالمنظمة وطريقة تقسيم أعباء العمل بين الموظفين ومنها ما يرتبط بك شخصياً وكيفية تعاطيك مع عملك وضغوطاته.
العطاء والإخلاص في العمل مطلوب دائماً وهو أمر إيجابي نشجع عليه لتحقيق طموحاتنا العملية، ولتقديم الأفضل للمنظمة التي أتاحت الفرصة لذلك، لكن المبالغة في العطاء قد تسبب اختلالاً واضحاً بين ما تقدمه لعملك وما تأخذه منه بالمقابل وهذا الاختلال قد يدفعك للدخول في مرحلة الاحتراق الوظيفي الذي سيؤثر سلباً على حياتك الشخصية ويحصرك في دور العامل فقط ويختزل الكثير من الأدوار الأخرى المهمة في حياتك ويدخلك في دوامة من الإنهاك الذهني ويضاعف العبء العاطفي والجسدي ويقلص من شعورك بالانتماء للعمل، لا تحصر نفسك وتفكيرك وجلَّ طاقتك في دور العامل فقط فلا تنسى بأن لديك عائلة وأصدقاء وحياة أسرية واجتماعية بعيدة عن دائرة العمل تستدعي الاهتمام والانخراط بها ولا تقل أهمية عن وظيفتك وعملك.
لذلك؛ لا بد من تعدد الأدوار وعدم حصرها بدور الموظف أو العامل لتجنب الشعور بالضياع عند غياب هذا الدور من حياتك لأي سبب لتجنب انهيار هويتك الذاتية.
هل يؤثر غياب الدعم والحوافز في حدوث الاحتراق الوظيفي؟
برأيي إن غياب العدل بين الموظفين في توزيع الأعمال، وعدم توضيح المهام، وتجاهل العطاء والتميز الذي يقدمه الموظف وعدم تقديم الدعم والحوافز له، وانخفاض الأجور، وغياب التقدير من المديرين يعتبر من أهم مسببات الاحتراق الوظيفي لدى الموظفين نتيجة لتعرضهم للضغوط المستمرة دون أي تحفيز أو تقدير لما يقدمونه لجهة العمل.
كما علق المحامي نواف بن منصور العوني أن الأصل في تحديد 8 ساعات عمل يومية هي للوقوف أمام الاحتراق الوظيفي ولو أنَّ هذا المصطلح يعتبر حديث ولم يكن دارجاً في بداية الثروة الصناعية حين كان العامل آنذاك يعمل طوال اليوم بشكل منهك، ولكن بعد صعود عدة أصوات حقوقية وقفت للحثّ على تقليل الساعات قامت بتكتل الأحزاب العمالية والتي كانت أضعف من الصناعية والتي تعتبر الكفة الأرجح ليتم تدريجياً خلال سنوات الوصول للمرحلة الحالية؛ والتي تتمثل بثلث اليوم للعمل وثلثين لنوم العامل والحياة الاجتماعية التي تعود عليه بزيادة الإنتاج. من وجهة نظري تعد أهم أسباب الاحتراق الوظيفي هي غياب المهام الوظيفية وتحديدها بشكل دقيق وهو الأمر الغائب لدى الكثير من الشركات بعدم وضوح الدور الوظيفي للعامل والاكتفاء بالمسمى الذي تجده على أرض العمل مختلف ويحتوي على أدوار وظيفية لوظائف أخرى علماً بأن للعامل الحق بطلب الاطلاع على دوره الوظيفي قبل التعاقد كما أنه لا مانع من طرح رغبته بتدوين مهامه ودوره في عقد العمل، كما أود ذكر أن نظام العمل جاء لحماية حقوق العمال حتى من أنفسهم في بعض الحالات وعلى سبيل المثال: الموظف الذي يواجه ظروفاً اقتصادية ويرغب بزيادة ساعات العمل فوق طاقته مسبباً بذلك الكثير من الضرر الجسماني والذهني العائد عليه، وقد جاء في النظام بأن لا تتجاوز ساعات العمل الإضافية خلال السنة عن سبعمائة وعشرين ساعة كحد أقصى وهناك حالات مذكورة في (المادة الثانية والعشرون من اللائحة التنفيذية) لطلب زيادة الساعات والتي تستوجب الموافقة.
لذلك رسالتي إلى المديرين أنت أمام مسؤولية عظيمة تجاه موظفيك وأمانة سوف تسأل عنها، واجبك بأن تقف لجانبهم تدافع عن حقوقهم وتكن لهم العون والصوت الموصول للإدارات العليا، حاول أن تخفف من مستويات الإجهاد لديهم عاملهم كإنسان وليس كآلة، نمّي لديهم روح التعاون والفريق، احترم وقتهم الشخصي وتذكّر بأن الإجازات وعطلة نهاية الأسبوع هي حق مكتسب للموظف يحفظه له القانون يساعده في الخروج من أعباء الوظيفة ليستعيد فيها طاقته ونشاطه ويعود لعمله بطاقة متجددة؛ لذلك حاول الابتعاد عن تكليفه بأي أعمال خلال وقت راحته.

‫3 تعليقات

  1. موضوع جميل و جزاك الله خير على الطرح الرائع و لاسف هذا المعاناة تلامس كثير من الناس وللأمانة لا يعرفون التعامل معها.

    شكرا مرة اخرى وتقبلي مروري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى