مهارة تنظيم بيئة الصف

مقدمة
تتكون العملية التعليمية من عديد من العناصر ومنها البيئة التعليمية بأشكالها المادية والاجتماعية، التي تؤدي دورًا مهمًا في طبيعة التفاعل بين الطالب، المعلم، المنهاج؛ وتشمل البيئة الصفية كلًا من البيئة المادي وما تحويه من أثاث ومقاعد وأدراج وسبورة وإضاءة وتهوية وغير ذلك، والبيئة الصفية النفسية التي تشير إلى الجو العام والحالة العامة التي تسود غرفة الصف في اثناء حدوث الموقف التعليمي.
ويمتد تأثير البيئة الصفة إلى كل ما يتعلمه المتعلم معرفيًا وأدائيًا عن طريق تداخله مع كل عناصر العملية التربوية كالدافعية للتعلم، والاتجاهات نحو المادة المتعلمة، كما تهدف للحصول على تعاون التلاميذ وجعلهم ينهمكون في عملية التعلم، وتوفير بيئة آمنه ومريحة للتلاميذ، حيث أن التلاميذ ينتجون أفضل في بيئات العمل التي يرتاحون فيها التي تساعدهم في إشباع حاجاتهم، فإعداد البيئة الصفية المنظمة بعناية واهتمام يعدُّ خطوة أساسية في تهيئة المناخ المناسب لعملية التعلُّم، فالفصول البهيجة المنظمة المرتبة هي البيئة المناسبة التي يتركز فيها الانتباه بدرجة أكبر على التفاعلات الإنسانية التي بدورها تنّمي الروح الجماعية، وتعزز عملية التعلم (النصيري، 2019).
تنظيم بيئة الصف:
حظيت بيئة الصف خلال السنوات القليلة الماضية باهتمام كبير لدى المربين، حيث تعتبر بيئة الفصل، المتلقي العام الذي يجمع التلاميذ والمعلم مع بعضهم البعض، فمن خلال البيئة الصفية يحدث الاتصال والتفاعل والمهارات المتصلة بتنفيذ الدرس، فالبيئة الصفية حلقة تفاعل ديناميكية يقوم فيها المعلم بدور المرشد والموجة من أجل تحقيق الأهداف المنشورة في العملية التعليمية.
تعريف بيئة الصف:
تُعرف بأنها: البيئة النفسية والاجتماعية أو الظروف النفسية والاجتماعية السائدة في الفصل الدراسي، أو مجموعة المؤثرات أو العوامل الفيزيقية والاجتماعية التي يدركها التلاميذ (زيتون، 2003).
كذلك عرفت البيئة الصفية بأنها: الظروف البيئية الأكاديمية، والاجتماعية، والمادية، التي تسود حُجرة الصف، والتي يولدها المعلمون والمتعلمون، والمنهج الدراسي، فضلًا عن البيئة المادية (المزروع، 2018).
أنواع بيئة الصف:
بيئة الصف لها نوعان رئيسان ذكرها كلًا من (أبو خليل، 2011؛ زيتون، 2003) فيما يلي:
بيئة الصف المفضلة.
بيئة الصف الواقعية.
أولًا: بيئة الصف المفضلة: يمكن إدراك التلاميذ والمعلمين لبيئة الصف المفضلة من خلال الأبعاد التالية:
التفريد Personalization: وهو مدى مراعاة المعلم لمشاعر التلاميذ وميولهم وقدراتهم.
المشاركة Participation: طريقة المعلم في التدريس، ومدى إتاحة الحرية لتلاميذه لمناقشته أثناء التدريس.
الاستقلال Independence: ويقصد به مدى إتاحة الفرصة لكل تلميذ أن يختار من الأنشطة والمهام التعليمية فيما يخصه.
البحث Investigation: مدى اعتماد التلميذ على أساليب حل المشكلات، والتفكير العلمي في حل الأسئلة التي يلقيها المعلم في الصف.
التمايز Differentiation: مدى مراعاة المعلم الفروق الفردية بين التلاميذ، عند استخدامة لطرق التدريس، والوسائل التعليمية.
ثانيًا: بيئة الصف الواقعية: وهي إدراك التلاميذ والمعلمين لبيئة الصف من خلال الأبعاد التالية:
مهام المعلم في الصف Task Orientation: وهي المهام التي يقوم بها المعلم داخل الصف مثل شرح الدروس، ومناقشته التلاميذ.
الكفاءة Competition: ويقصد بها قدرة المعلم على أداء المهام الخاصة به داخل الصف.
الترتيب والتنظيم organization Order: ويقصد بهما أن تكون تعليمات المعلم واضحة، بحيث يفهمها كل تلميذ بسهولة.
وضوح القوانين والقواعد Rule Cavity: ويقصد به أن تكون هنالك قوانين منظمة يتّبعها التلاميذ في الصف.
ضبط المعلم للصف Control Teacher: ويقصد به أسلوب المعلم في تنفيذ قوانين الصف.
التجديد Invovation: ويقصد به اتباع المعلم للأساليب الحديثة في التدريس، ومحاولته استخدام أساليب جذابة.
الاندماج Invdvement: ويقصد به مدى تفاعل التلاميذ مع المعلم في الصف.
التعارف Affiliation: ويقصد به تعارف التلاميذ على بعضهم بعض داخل الصف.
تأييد المعلم Teacher Support: ويقصد به مدى الاهتمام الشخصي للمعلم بتلاميذه في الصف.
عوامل البيئة الصفية:
ان للبيئة الصفية في المدرسة عوامل متعددة يدرك الطلبة من خلالها على أنها بيئة إيجابية أو سلبية، من أهم هذه العوامل كما يراها كل من (النابلسي، 2014؛ هارون، 2003؛ زيتون، 2003) مايلي:
العوامل المادية: وتتضمن كل ماله علاقة بالعملية التربوية في الصف من حيز في المكان، والمرافق والتجهيزات، وأماكن العمل، وغرف التدريس ويمكن تنظيم الغرفة الصفية بأساليب ونماذج مختلفة، فقد يخصص المعلم فيها أماكن مختلفة المساحة يخصص أحدها لجلوس الطلبة، وأخرى زاوية للكتب، وثالثة لمزاولة أنشطة معينة.
العوامل التربوية: وتتضمن الكتب المدرسية، والمراجع والرسائل العلمية، وأساليب التدريس والتعلم المختلفة التي تتصل بالتعلم الفردي أو التعلم الجماعي، كذلك الامتحانات وأساليب التقويم، والتفاعل اللفظي داخل الصف الدراسي وإدارة الصف.
العوامل الاجتماعية: وتتضمن التفاعل الاجتماعي في المدرسة، الانضباط والنظام في إدارة المدرسة، والعلاقة بين المدرسة والمنزل، التوجية والإرشاد، والعلاقة بين المدرسة والمجتمع.
البيئة الصفية النفسية ودور المعلم في تنظيمها:
يشير مصطلح البيئة النفسية إلى الجو العام والحالة العامة التي تسود غرفة الصف أثناء حدوث الموقف التعليمي، تلك البيئة التي تتأثر باللحظات التعليمية التي يحدثها المعلم ويستجيب لها الطلبة، ويرتبط بها مترتبات التفاعل مع المعلم، وتفاعل الطالب مع الطالب، وتفاعل الطالب والمعلم عبر خبرات تعليمية وسيطة، ويعتبر المعلم في البيئة النفسية مقومًا أساسيًا لإحداث التغيرات المرغوبة لدى الطلبة، وقد حدد مغاريوس صاموئيل (1974) في قطامي وقطامي (2002) مقومات هذه البيئة النفسية:
تهيئة علاقات وظروف أكثر مناسبة للنمو السوي للطلاب.
مواجهة وتلبية الحاجات النفسية الاجتماعية للطلاب.
تعديل اتجاهات الطلاب بما يساير فلسفة المدرسة التربوية.
تصحيح انحرافات السلوك وعلاج الطلاب المشكلين.
دور المعلم في تنظيم البيئة الصفية:
تتحدد مسؤولية المعلم ودوره في تنظيم ورعاية البيئة الصفية فيما يلي (النابلسي، 2014):
تكليف الطلاب أنفسهم بإصلاح المقاعد وطلاء الجدران والمناضد ورفوف الكتب والكراسي، وترتيب الأثاث الجديد منه أو بعد إصلاحه بحيث يكون سهل الحركة ومتماشيًا مع المواقف التعليمية المتعددة.
الاحتفاظ بمستلزمات التدريس كالخرائط والصور والاقلام والكراسات في نظام وترتيب.
ترتيب جلوس الطلاب بحيث يتمكنون من أن يروا من أماكنهم ما يعلمه أو ما يعرضه، ويسمعون ما يقوله المعلم، بحيث يسمح هذا الترتيب بحرية الحركة للمعلم والطلاب.
المحافظة التامة على النظافة وأثاث الصف من خلال بث روح المسؤولية المشتركة والتعاون.
الاهتمام بتوفير بعض الحاجيات التي يحتاجها الطلاب من أجل إبقاء غرفة الصف منتظمة ومرتبة.
النظرية الكلاسيكية في إدارة الصف وتنظيمه:
إن النظرية السلوكية في إدارة الصف تركز على (زكي والخزاعلة، والسخني، 2013):
تنشئة الطلاب وفق أنماط سلوكية محددة: إن النظرية القديمة لإدارة الصف وتنظيمه تنطلق أصلًا مما يطلق عليه اليوم إستراتيجية المدرسة الكلاسيكية، وهي الإستراتيجية التي وصفت بأنها تحرص على تنشئة الطلاب وفق أنماط سلوكية تلائم الرضوخ للسلطة، وترى هذه المدرسة أن الطالب السوي هو ذلك الذي يفهم نظام عمل المعلم ويتقبله بينما الطالب غير السوي وغير المتوافق هو الذي لا يفهم ذلك ولا يتقبله.
الاستناد إلى الأساس العلمي للمنهج الكلاسيكي: يرى أصحاب هذه النظرية التقليدية أنهم يستندون إلى الواقع الحي الماثل في المدارس، ومما يدعم رأيهم أن بعض الأبحاث تشير إلى ان ترك الحبل على الغارب للطلاب، والتراخي في عملية ضبطهم وتنظيمهم وتهذيبهم تؤدي إلى هبوط في مستوى التحصيل وتدهور في النظام اللازم لسير العملية التعليمية وذلك ما كشفت عنه الأبحاث والدراسات المتصلة بهذا الموضوع.
تصرف المعلم في غرفة الصف وفق المنهج الكلاسيكي: يرى أصحاب النظرية الكلاسيكية ان أسلوب المعلم والاستراتيجيات والتقنيات التي يستخدمها في إدارة الصف تؤدي دورًا كبيرًا في فاعلية إدارته للطلاب الذين يشرفون عليهم، ويدعو التربويين إلى الأخذ ببعض الاستراتيجيات الأساسية في إدارة الصف لتحقيق هذه الفاعلية المتمثلة في انغماس الطلاب بالعمل وانعدام الفوضى والشغب، ومن هذه الاستراتيجيات:
حرص المعلم على التعامل مع أكثر من أمر واحد في آن واحد، وضمان أن تسير الأمور بتتابع لا انقطاع فيه.
إشغال جميع الطلاب دون استثناء بالعمل والمسؤولية باستمرار ودون انقطاع.
يثير حماسة الطلاب ويبقى عليها، ثم توفير التنويع في المحتوى والتقديم والأنشطة المختلفة.
إن يدير المعلم صفة وينظمه وفق النظرية الكلاسيكية: كل شيء يتوقف في نظر الكلاسيكية على الانطباع المبكر الذي يتركه المعلم لدى الطلاب، ومن الهام جدًا أن يتصف المعلمون بصفتين أساسية هما:
صفة الوعي والحذر والانتباه الدائم: دعا إليها كونين (Kounin) وطالب المعلم بأن تكون له عينان في مؤخرة رأسه كي لا يغيب عنه شيء مما يجري في غرفة الصف، ولا بد لذلك أن يخيب ظن الطلاب المستعدين للشغب والذين لا يبقى أمامهم سوى التخلي عن خططهم السيئة.
صفة الحزم أو التصميم: لا بد لها من ان تقنع الطلاب، المشاركين في الشغب او المستعدين له، بأن المعلم لن يتراجع عن خطته أو رأيه، وأنه مستعد لاستخدام كل قوته من أجل هذه الغاية.
تنطلق النظرية الكلاسيكية في إدارة الصف وتنظيمه، من اعتبار أن الدرس الذي تسوده الفوضى والشغب والعبث درس فاشل مهما كانت قيمة المعلومات التي يحفل بها وقيمة الطريقة المستخدمة، فالنظام في غرفة الصف هو الأساس.
وفي ضوء ذلك يمكن القول بان تنظيم بيئة الصف بجميع جوانبها تعتبر من العوامل المهمة في العملية التعليمية. وتعد تنظيم بيئة الفصل الدراسي جانبًا مهما للتحكم في سلوك الطلاب، حيث تظهر العديد من الدراسات أن تنظيم بيئة الصف والانضباط الصفي له عوامل إيجابية تحد من حدوث السلوكيات السلبية وتعد الطلاب لتوقع ما سيحدث خلال فترة وجودهم في المدرسة في بيئة تعليمية منظمة في الفصل الدراسي (ابو خلیل، ۲۰۱۱)، حيث تكون أنشطة الطلاب في الفصل الدراسي سهلة وسلسة مما يمكن الطلاب من فهم بيئة التعلم واكتساب المهارات بشكل أسرع.
المراجع:
المزروع، تهاني. (2018). درجة ملاءمة البيئة الفعلية للتربية الفنية لمواصفات البيئة الصفية في ضوء نظرية التربية الفنية النظامية (DBAE) بالمدارس المتوسطة في مدينة الرياض. المجلة الدولية للدراسات التربوية والنفسية. 3(3)، 634 –637.
النابلسي، أسماء. (2014). الاتزان الانفعالي وعلاقته بالبيئة الصفية المدركة دراسة ميدانية لدى عينة من طلبة المرحلة الثانوية العامة بمدارس محافظة دمشق. رسالة ماجستير غير منشورة. جامعة دمشق.
أبو خليل، فاديا. (2011). إدارة الصف وتعديل السلوك الصفي. القاهرة: دار النهضة العربية.
الزكي، أحمد؛ الخزاعلة، محمد؛ السخني، حسين. (2013). الإدارة الصفية بين النظرية والتطبيق. عمّان: دار وائل للنشر والتوزيع.
إشراف
أ.د. حمد عبدالله القميزي
أستاذ المناهج وطرق التدريس
جامعة الأمير سطام بن عبد العزيز