لماذا آسف؟

قال القدماء: أن “الاعتذار من شيم الكبار”، وقد تغنى الكثير من الشعراء على مر العصور بالاعتذار وفي رِفعةِ مقام المُعتذِر، وفي كرم أخلاق من يقبل الاعتذار، وفي هذا المقال سأنثر لكم فلسفتي المتواضعة عن الاعتذار، والتي تحتمل أن تكون صائبة بقدر ما تحتمل أن تكون خاطئة.
إن الصورة النمطية عن الاعتذار هي حصر الاعتذار في كلمة واحدة “آسف” وهذا شيءٌ لا يُعيب الكلمة بذاتها ولا يعيب الاعتذار، ولكن عندما انحصر الاعتذار في هذه الكلمة أصبح قول “آسف” في كثير من الأحيان مجرد عادة لإرضاء من وُوجهت له دون أن تحمل مشاعر ومعنى الأسف الحقيقي، وبذلك فقدت هذه الكلمة عمقها ومعناها.
يوجد مرادفاتٌ كثيرة في لغتنا لكلمة “آسف” ولكن أكثر ما يستخدم وأشهر ما يقال في الاعتذار هو هذه الكلمة، وهذا إن دل على شيء، دل على ما تحمله من معنى، فكلمة “آسف” ليست مجرد اعتذار وإنما تحمل شعوراً بالندم أو الحزن ، أو قد تكون تعبيراً بعدم الرضا على النتائج التي حصلت نتيجة فعلنا.
و أرى أن كلمة “آسف” تحمل خليطاً من هذه المشاعر، ولا يجب قولها إلا حين نقصد هذه المشاعر فعلاً، فمثلاً عندما نقوم بخطأ فإننا نشعر بالندم وشيء من الحزن لأننا أخطأنا، أو قد نكون لم نرتكب خطأً ولكن بسبب ما تركه فعلنا من أثر لدى شخصاً نهتم لأمره فإننا نشعر بالحُزنِ على حُزنه أو لأننا أحزنّاه، فهنا كلمة “آسف” تحمل الشعور بالحزن أكثر من الندم.
ولكن في بعض الأحيان قد يصدر منّا فعلٌ يفهمه الآخر بشكلٍ خاطئ ، في هذه الحالة وبعد توضيح سوء الفهم، لا أعتقد أن أياً من الطرفين يجب أن يكون آسفاً بالمعنى الذي سبق ذكره، ولكن في ظني أن من يبادر بالاعتذار هنا هو الأنبل، وإن لم يكن يحمل مشاعر الأسف بالفعل، وإنما الاعتذار في هذه الحالة يكون بمثابة التعبير عن اهتمامنا بهذا الشخص وعن مدى احترامنا وتقديرنا له.
أنا أعلم أنه ليس بالضرورة أن يكون العذر مقبولاً دائماً، ولكن في بعض الأحيان يجب قبول الاعتذار، لأن عدم قبوله قد يُفسد نفس المُعتذِر، خصوصاً إذا كان ممن هو أعلى منّا في التسلسل، فمثلاً عند اعتذار الوالد أو الأخ الأكبر أو حتى المدير، قد لا يكون بإمكانه ازالة ما أصابك من ضرر، ولكنه قدم لك اعتذاره كي يُظهر مدى احترامه وتقديره لك، حتى إنه في بعض الأحيان قد لا يكون مخطئاً ولكن لأن هذا الفعل سبب لك ضرر، ومع يقينه أنه لم يخطئ قدّم لك الاعتذار، فعدم قبولك للاعتذار في هذا الموقف قد يجعل في نفسه شيءٌ من الانكسار، ويترك في ذاكرته موقفٌ عن فكرة الاعتذار بشكلٍ عام، ويكفينا لقبول الاعتذار قول الله تعالى “فمن عفا وأصلح فأجره على الله” وذلك يدل على عظيم فعل العفو، ومن عِظمته جعل الله أجره عنده غير محدد وهو الكريم سبحانه.
ولا يعني قبول الاعتذار في هذه الحالة إسقاط حقك، لا ولكن بالإمكان توضيح مدى انزعاجك من هذا الفعل واقتراح حلول لهذه المشكلة والإعراب عن تقديرك لاعتذار هذا الشخص منك.
وختاما فإنه لا يخفاكم أن الوسطية دائماً هي الأفضل، المبالغة والاعتذار بشكلٍ مستمر ودون الحاجة له، تجعل الاعتذار لا يحمل قيمة، والتغاضي عن الإساءات بشكلٍ مستمر يجعلك محطاً للإساءة، فلا إفراط ولا تفريط.