قراءة في رواية “طنطورة” للكاتب: عبد الجبار الخليوي

بقلم: حمود الصهيبي  

رواية “طنطورة” للروائيِّ السعوديِّ عبد الجبَّار الخليوي، الصادرة عن مكتبة المتنبِّي عام (1445ه)، تقع الرواية في (287) صفحة من القطع المتوسط، وقُسِّمَت إلى (14) فصلًا، كلُّ فصلٍ اتخذ رقمًا متسلسلًا.
بدأ الكاتب في نفي أن تكون هذه الرواية سيرةً ذاتيَّةَ التي كتب عنها، تتحدَّث الرواية عن يونس الشابُّ الذي سكن في ريف الحسكة، التي تقع على الحدود التركيَّة السوريَّة، والذي تغرَّب عن قريته لطلب العلم الشرعيِّ في الجامع الأمويِّ بدمشق، ولم يعد إلَّا بعد أن وصلته رسالةٌ من خاله، تخبره بأنَّ والده تُوُفِّي، وعليه أن يحضر لرعاية والدته وأخته، وإدارة مزرعته.
اكتشف يونس أنَّ الحياة هرولةٌ مستعجلةٌ نحو الأيَّام القادمة، أحبَّ يونس ابنة جارهم ميَّار، التي وافق والدها في بادئ الأمر، لكن تدخُّل أبناء عمومتها بالرفض، فهدَّدوا والدها، الذي انصاع لهم، إلَّا أنَّها حاربت لأجل يونس، وحاولت إقناع أهلها برفضها لابن عمها، إلَّا أنَّها لم تجد أُذُنًا صاغيةً لها بناءً على العادات والتقاليد، وأُجبِرَت على الزواج، لكنَّها حاولت أن تحارب بكلِّ ما أوتيت من قوَّةٍ، ما أحدث صراعًا بينها وبين ابن عمها، الذي ضربها ضربًا مبرِّحًا أدَّى إلى إغمائها ونقلها للمشفى المركزيِّ، فتدخَّل والدها وطلب الطلاق لأبنته وحصلت عليه، وتزوَّجت يونس.
مرضت ميَّار وهي في طريقها إلى الحج، فتوقَّفوا في مكانٍ يُقالُ له قاع الحاج بالقرب من العُلَا، ثُمَّ تُوُفِّيَت هناك وكانت الحكاية.
الغلاف المدخل السريُّ:
يعدُّ الغلاف فصلًا من فصول الرواية، وهو عند الكثير من النقاد جزءٌ لا يتجزَّأ من الرواية أو القصَّة أو أيَّ جنسٍ إبداعيٍّ، وأنَّه عتبة النصِّ الأولى في ثيمتين متناغمتين هما: العنوان واللوحة، كلاهما باسم الطنطورة، وهي إحدى المعالم التاريخيَّة، عبارةٌ عن مبنًى من الطين يقع شرق قرية سوق الدرب بمحافظة العلا، وهي تعدُّ (مزولة): ساعةٌ شمسيَّةٌ يستعملها أهالي العلاء منذ مئات السنين؛ للدلالة على الوقت وعلامةٍ لتغيُّر الفصول.
في اليوم الأوَّل من فصل الشتاء تقع الشمس مباشرةً على العلامة الحجريَّة للطنطورة، وكذلك الموسم الزراعيِّ، لذلك يسمَّى بشتاء طنطورة، وأتت اللوحة للمبنى الذي سُمِّيَت بهِ الرواية، يظهر لنا جزءًا من المبنى ببوَّاباتٍ متعدِّدة الحجم.
استعمل الكاتب الراوي العليم في سرد الرواية، وهو راوٍ لديه معرفةٌ كاملةٌ بإحداث القصَّة، وهذا ما جعل الرواية سهلةً وبسيطةً، فأقحم التاريخ وإسقاطاته كما عي…
اللغة:
أتت اللغة في رواية طنطورة -السرديَّة الحواريَّة- بسيطةً مألوفةً، استطاع الكاتب أن يختار اللغة البيضاء، مع استعمال بعض المفردات الشعبيَّة التي تدلُّ على المكان، فاللغة هي فاتحة النصِّ الأدبيِّ أيًّا كان، إذا قبلت فإنَّ ما بعدها يكون أسهل، هذا لا يعني أن يتغافل عن العناصر الأخرى التي هي ركائز لا بُدَّ أن يعتني بها الكاتب أشدَّ العناية، فالكاتب يحرص على قدرته على استخدام مفرداتٍ في إيصال الفكرة التي يريد توصيلها، والمقولة التي يرغب في قولها من خلال جميع العناصر.
واللغة هي قناة الإيصال لها، فيجب عليه أن يختار الوصف أو السرد أو الحوار أو بعضهما أو كلاهما، ولكلِّ أسلوبٍ تقنيَّاته فيما يراه الكاتب، وهذا يعتمد على قدرته ومدى امتلاكه للمعجم اللغويِّ مع مراعاة المفردات التي تصبُّ في صالح الرواية.
طنطورة هي إحدى معالم التاريخ التاريخيَّة، وهي أثرٌ قديمٌ بمحافظة العلا، يتكوَّن المبنى من الطين والأحجار والأسبار المتراصَّة فوق بعضها البعض.
الراوي العليم في رواية طنطورة هو من يقود القافلة، عندما شرع الكاتب في رسم شخصيَّاته وضعها متوازيةً، وإن حاول أن يربطها معًا.
الرواية تدور أحدثها حول شخصيَّة يونس القادم من ريف الحسكة على الحدود السوريَّة التركيَّة، الذي شاءت الأقدار أن يستقرَّ في مدينة العلا.
والرواية سيرةٌ ذاتيَّةٌ أو غيره، حتَّى إن حاول الكاتب نفي هذا الاتهام، ولا أجد أيَّ ضررٍ عندما يذكره الكاتب طالما أنَّه جنسٌ أدبيٌّ.
المكان:
لعب المكان دور البطولة، وهو ليس من خلال العنوان فقط، إنَّما من خلال الأحداث، فأصبح المكان منتجًا للأحداث، لولا وجوده لما قام الحدث والشخصيَّات التي تتحرَّك في المكان، تجمُّع الأحداث مرتبط بالمكان، كذلك الارتباط بين الشخصيَّات.
استخدم الكاتب أسلوب الأبنية المتجاورة للنصِّ، تحديدًا أسلوب المجاورة عن طريق الاقتباس، وهو استحضار نصٍّ جاهزٍ من كتب الرحَّالة والمستشرقين، والكتب الشرعيَّة كاملة التكوين، داخل النصِّ السرديِّ. إذ أكثر الكاتب منها عندما قام باستدعاء النصوص، ما قلَّل من علاقتها مع النصِّ الفنِّيِّ.
توفَّق الكاتب في الحج بالسيَّارات، إذ إنَّ أوَّل رحلةٍ هي (1935م) كما ذكرها الشيخ علي الطنطاوي في كتابه.
سقوط حائل (1921م)، الرواية التاريخيَّة والتاريخ.
التاريخ لغته تقريريَّةٌ، والرواية لغتها فنِّيَّةٌ، هناك خطٌّ متوازٍ بين التاريخ والرواية، لا شكَّ في ذلك، التاريخ أحداثٌ نقلها لنا المؤرِّخون، وربَّما بعضها حقيقيٌّ وبعضها غير حقيقيٍّ، الرواية بها بعضٌ من الإيهام، هذا الإيهام يوجِّه المتلقي؛ لأنَّ ما يقوله هذا الروائيُّ هو الحقيقة، لكن في الحقيقة هي ليست حقيقةً، والروائيُّ يعكس رؤيته خلال الأحداث التاريخيَّة التي اطلع عليها، أراد الروائيُّ أن يعكس بلغةٍ فنِّيَّةٍ أدبيَّةٍ كي تتماشى مع البنية الروائيَّة والسرد الروائيِّ، لكن ليست تقريريَّةً.
الأحداث التي صنعها الراوي بلغة الإيهام وتخيُّلات الأحداث، فأتساءل أين الحقيقة وأين التخييل وأين المرجعيَّة في الرواية؟
هناك تساؤلاتٌ كثيرةٌ تخصُّ الرواية التاريخيَّة أو الرواية المكانيَّة إن صحَّ لنا تسميتها، كيف نستطيع أن نقول إنَّها روايةٌ تأريخيَّةٌ إذا كان هذا التاريخ ذاته كما يقول الدكتور صلاح فضل في كتابة النظريَّة البنائيَّة في النقد “إنَّه ليس هناك تاريخٌ واحدٌ، هناك تواريخٌ متعدِّدة”.
في الصفحة (88) ذكر الكاتب قصَّة العميان، عندما ذهبوا إلى منزل أبو راشد، فتبعهم خلسةً، وعند دخولهم دخل معهم خلسةً، القصَّة لم يكن لها أيُّ مبرِّرٍ لإقحامها في الرواية، هذا المشهد الذي ألَّفه لم يكن إلَّا حشوًا فقط.
يقول كرستي براون “أنَّه يؤمن بإطلاق النار على بعض شخصيَّات قصصه للتخلُّص منهم”، هذا ما لم نجده في طنطورة خصوصًا أمُّ يونس التي لم يذكرها ولم يتخلَّص منها، ولم يتواصل معها، هذا غير منطقيٍّ.
وكذلك في الصفحة (78) تكلَّم عن رجلٍ طاعنٍ واختفى، إذ أكثر من دخول شخصيَّاتٍ اختفت، دون تبرير ذلك لنا، أو توضيح كيفيَّته.
الصفحة (136) عندما قال: وعرفت من ملامح وجهها القبول بهِ؟ وكيف للأعمى أن يرى ويعرف ملامح الوجه، الشرح في جذور الكلمة ليست من الرواية في شيء، كما يقول على سبيل المثال لا الحصر “مجالد جمع مجلاد” وأكثر من هذا القول.
تحدَّث عن الرحَّالة الفرنسيِّ “شار هوبير”، الذي اغتيل عام (1884م)، ولم يذكر أنَّه قُتِلَ من قِبَلِ بدويٍّ أخذ ملابسه، وعندما علم ابن رشيد بخبره ألقى القبض عليه وأعدمه.
الزمان الذي تدور فيه الرواية غير متطابقٍ مع ما ذُكِرَ في كتب الرحَّالة الذين زاروا العلا، هناك اختلافٌ واضحٌ من خلال البحث عن المستشرقين الذين زاروا العلا، وهم كما يلي:
الرحَّالة الألمانيُّ “يوليوس أوييتنغ ” زار العلا (1848م)، الرحَّالة كاسكل الذي تُوُفِّي (1913م)، الرحالة تشارلز داواتي تُوُفِّي (1877م).
القفز في الأحداث واضحٌ، وهو ما لم يوفَّق فيه الكاتب، فنجده على سبيل المثال عندما مرض راشد الأعمى، وهو على فراش الموت كان أطفال يونس صغارًا، فجأةً قفز بالزمن إلى ما يقارب (15) سنةً، وكأنَّ راشد بقي (15) سنةً في فراش الموت، هذا مربكٌ للقارئ ولم يكن منطقيًّا.
الزمان:
تدور الحكاية قبيل العام (1945م)، إذ أشار الكاتب لها من خلال حربٍ دوليَّةٍ تبشِّر بزوال الحكم التركيِّ، والصحيح الحكم العثمانيِّ.
لم يذكر الكاتب وفاة أمَّ يونس أو حياتها، سكَّة الحديد والقطار بين الدولة العثمانيَّة والحجاز، أسقط الكاتب على أنَّ الهدف منها نقل العسكر والجنود والمعدَّات العسكريَّة، وهذا غير صحيحٍ، لكنَّ الهدف منها نقل الحجاج، إذ تأسَّست السكَّة في فترة ولاية السلطان العثمانيِّ عبد الحميد الثاني لخدمة الحجَّاج المسلمين وربط أقاليم من وإلى الحجاز، بدءًا من تركيا مرورًا بفلسطين وسورية، ثُمَّ من الشام إلى المدينة بمسافة (1300كم) وهو على حساب المسلمين، واستُغِلَّت فيما بعد في الثورة العربيَّة، كان يمكن ألَّا يُسَيِّسَ الرواية بمعلوماتٍ غير دقيقةٍ عندما قال أنَّها وُضِعَت من أجل نقلِ العسكر والمعدَّات.
في الصفحة (35) عندما قال: “هل تعلم يا راشد هذه المرَّة الأولى التي أدخل فيها من بوابة البلد الشماليَّة”، وهذا أراه خطأً في أنَّه لم يُشِر في السابق، ولم تكن هناك إشارةٌ إلى أنَّه كان يتجوَّل في البلدة.
تكلَّم عن مملكة الأنباط واللحيانيَّة، وأكثر من الممالك والأسماء، ما يُشتِّت القارئ؛ بسبب كثرة زجِّ التأريخ في المنطقة ما جعل وصف الرواية بما يشبه التأريخ، فابتعد كلَّ البعد عن الرواية، استخدم الراوي الأسلوب الإخباريَّ أو الرواية في روايته، وكأنَّها تقارير إخباريَّةٌ، فعندما تقرأها كأنَّما تقرأ تاريخًا وجفرافيا وسير الرحَّالة الذين مرُّوا من هذا المكان.
ومرَّةً يأتي في ذكر الفقهاء والحلقات بشكلٍ غير مبرَّرٍ له في الرواية، ولم نجد الأثر الذي تركه يونس لو أنه جعل منه خطيبًا أو طالب علمٍ يلقي الدروس يكون أفضل، ما جعله من دون هدفٍ أو ليست هناك مقولةٌ يريد أن توصلها الرواية أو الفكرة إلَّا ذِكرُ طنطورة والعلا، استخدم الروائيِّ الرحَّالة الألماني باترسن وفيوليت الفرنسي والاستشهاد بكتب المستكشفين مثل موسل.
عبارة أنا لم أنم الليلة في هذه المقبرة لنذهب إلى بيتنا الجديد، هي إسقاطٌ غير موفَّقٍ على المكان الذي جعله مقبرةً، استخدم الكاتب السكن الجديد هي حياةٌ جديدةٌ.

تعليق واحد

  1. استاذ حمود الصهيبي:
    سعدتُ كثيراً برؤية هذه
    القراءة الواعية لروايتي (١٠) ‫
    #رواية_طنطورة‬ واتمنى
    أن التقي معك في ندوة
    أو محاضرة لبيان وجهة
    نظري الخاصة حول كل
    النقاط التي أثرتها، والنقد
    الإيجابي هو الوجه الآخر
    لأي نص أدبي وضروري.
    لك شكري بعمق السماء
    ‫#عبدالجبار_الخليوي‬
    ☎️ ٠٥٥٥٢٠٢٤٩٩

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى