إشكالية النهاية في القصة القصيرة

حضرت في الأيام الماضية (16 و17 فبراير 2025م) فعاليات مهرجان القصة القصيرة السابع، الذي تحييه سنوياً مجموعة نادي بيت السرد بالمنطقة الشرقية/الدمام. اشتمل المهرجان على عدة فعاليات، احدى الفعاليات كانت عبارة عن قراءة القصص، وفيها يقرأ القاص مجموعة من نصوصه أمام الحضور.
لفت نظري أن الكثير ممن قرأوا نصوصهم، سواء من القاصين أو القاصات يقفون عند نهاية النص، ليقولوا لنا: انتهى. أي أن القاص أو القاصة ينبه الحضور بأن القصة قد انتهت، وهي كلمة تبدو “نشاز” في بنية النص المسموع (لأنها قد لا تكون مكتوبة في النص الأصلي). كمهتم بالسرد منذ عقود، لم أقرأ أو أسمع (إلا في حالات نادرة) عن تنبيه المشاهد أو المستمع بأن القصة قد انتهت، لأن بناء النص نفسه هو الذي يفترض أن يقول لنا ذلك، لأن نهاية القصة هي ما يعلق في ذهن القاريء/المستمع ويؤثر في تأويل النص ودلالاته. ونحن نلاحظ ذلك في أغلب الفنون والآداب، سواء كان في القطعة الموسيقية أو القصيدة الشعرية أو القصة القصيرة، أو المسرحية، وأن المستمع أو المشاهد يتفاعل مع تلك الوقفة النهائية للنص ويفهمها دون أن يخبر بها.
احدى فقرات المهرجان كانت ورقة جميلة قدمها الدكتور مبارك الخالدي وتحدثت فيها عن أحد أهم الفاعلين في عالم القصة القصيرة القصير(من وجهة نظره)، الا وهو الدكتور تشارلز مي (كاتب أمريكي). وكانت مسك الختام لفعاليات المهرجان، كانت ورقة مهمة وفتحت الأفق للمزيد من البحث والتتبع المستقبلي، ومن الطبيعي ان تتبع الورقة بعض التساؤلات والحوارات، فيما يخص “نهاية القصة”، وهي موضوع حديثي في هذه الورقة.
تحدث الدكتور مبارك عن الحبكة في القصة، وأشار إلى أنها ليس عليها بالضرورة ان تتبع الطريقة الموباسانية من حيث البداية والذروة والنهاية (فلاش باك)، المهم وجود حدث وراوي ومروي له ..الخ، احدى المهتمات بهذا المجال (الدكتورة صباح العيسوي) سألت الدكتور مبارك: هل هناك مشكلة أن يبنى النص على الطريقة المتعارف عليها في كتابة القصة القصيرة؟ وأعاد الدكتور مبارك رأيه في مفهومه للحبكة القصصية، ولكن يبدو أن إجابة الدكتور لم ترو عطش الحضور.
اتفق مع طرح الدكتور مبارك وكذلك مع تساؤل الدكتورة صباح. أعتقد بأن الحبكة التي لا تظهر النهاية الملفتة للقصة بشكل “صريح” أو بشكل “مضمر” فهي تعاني من مشكلة في البناء، إذا انساب الماء على التراب الرطب ولم يستطع القاريء تلمس تلك الفواصل فهذه اشكالية حقيقية في الكتابة القصصية، لأنها تفقدنا ميزة الإستمتاع و تذوق النص الأدبي.
ماذا يعني ذكر تلك الكلمة (انتهى) في نهاية القصة؟ ربما تعني أن القاص أو القاصة شعر/ت بأن النص لم يصل الى المشاهدين فكان ضرورياً لفت انتباه الحضور، وهذه، كما أعتقد، حالة قصور فني في بناء النص. هذا القصور قد تكون له عدة أسباب لا تتسع المساحة للحديث عنها هنا. لهذا ربما يكون من المفيد أن يبدأ الكتاب الجدد بالتدرب على الكتابة الموباسانية، وهي لازالت اسلوباً معتمداً لدى الكثير من كتاب القصة في العالم، ومع مرور الوقت ونضج التجربة سوف ينتقل كل شخص الى مستوى آخر من الكتابة يستطيع فيها كتابة نص يضمر النهاية، بطريقة يلتقطها المستمع ويفهم دلالاتها الرمزية وأغراضها، ويستغني عن القول بأن النص “انتهى”.