حكايا آمنه .. أمي، إني عاشق!

بقلم / آمنة العطاالله  

في إحدى الأمسيات، جلس طفلي بجواري وقال لي بكل عفوية: “أمي، إني عاشق.” للحظة، توقف الزمن داخلي، تساؤلات كثيرة اجتاحتني: متى كبر طفلي؟ كيف أحب؟ وما أدراه ما العشق؟ كيف تذوق طعمه وهو الذي كنت أحسبه ما زال يلهو ببراءته؟ كيف كبر الأبناء دون أن أشعر؟! آه، ما أسرع الأيام تمضي…

لكنني أخفيت دهشتي، وابتسمت بهدوء، وقلت له بكل بساطة:

“لا بأس بذلك، ما خُلق القلب إلا للحب والخير. لكن قلبك ثمين، فلا تهبه إلا لمن يحفظه ويستحقه ويكرمه.”

لم أُضف شيئًا آخر، رغم أن قلبي كان ممتلئًا بعاصفة من المشاعر والتساؤلات. لم أشأ أن أكون ذلك الجدار الصلب الذي يخشاه، بل كنت أريد أن أكسب ثقته، أن يعرف أن قلبه بين يديّ أمان لا قيد.

وبالفعل، بعد شهرين تقريبًا، عاد إليّ، لكنه هذه المرة لم يكن ذاك الفتى الحالم، بل كان شابًا تكاد الحيرة والحزن يفتكان به. لم أسأله مباشرة، بل نظرت إليه بعين الأم وسألته بلطف:

“هل أنت مريض؟”

هزّ رأسه، ثم قال بحسرة: *”نعم… حبيبتي لا تفهم، لا تعرف مصلحتها.”

هنا، أدركت أن الوقت قد حان لدوري الحقيقي كأم. لم أعاتبه، لم أقل له إنه صغير على الحب، ولم أسفه مشاعره. بدلاً من ذلك، قلت له:

“هل تحتاج إلى مساعدة؟”*

نظر إليّ بدهشة وسأل: *”كيف؟”

فقلت: “أحدثها، أكون وسيطًا بينكما، كأنني أختك الكبرى، أحيانًا نحتاج إلى طرف محايد يساعدنا على الفهم.”

وافق، وربما في داخله كان ممتنًا لأنه وجد يدًا تمتد له دون أن تحكم عليه. وهكذا بدأت القصة…

تحدثت إليها، فتاة في أولى سنوات شبابها، يملؤها الحلم والارتباك معًا. لم أكن قاسية، بل كنت لطيفة كأم، كأخت كبرى، كصديقة. تحدثت معها يومًا، يومين، شهرًا، شهرين، وكنت أراقب المشهد من بعيد، أراعي قلوبهم الصغيرة التي تتعلم كيف تنبض. ومع الوقت، بدأت الأمور تتغير، وبدأت أوجههما للحياة بطريقة غير مباشرة.

قلت لها: “اهتمي بدراستك، مستقبلك هو أثمن ما تملكين.”
وقلت له: “إن كنت تحبها، ساعدها على النجاح، الحب الحقيقي هو أن تتمنى الخير لمن تحب.”

كانا حينها في المرحلة الأولى من الثانوية، في عمر تتخبط فيه المشاعر بين البراءة والاكتشاف، بين القلب والعقل، بين التعلق والنضج. ومع مرور الوقت، انشغلت هي بتحديد مستقبلها، واهتمت بهواياتها وطموحاتها، حتى تلاشى ذاك الحب الطفولي، بهدوء دون جراح. أما هو، فحفظ كرامته، ورحل بصمت، لأنه أحب لها النجاح أكثر مما أحب بقاءها معه.

كان يراقبها من بعيد، لا بحسرة، بل بفخر، لأنه كان جزءًا من رحلتها نحو النجاح، وكنت أراقبهما معًا، بدعواتي التي لم تتوقف لهما بالخير. وبعد سنوات، تزوجت هي، وكنت أول من دعت لحضور زفافها، لكنني اعتذرت بلطف، ليس انشغالًا فقط، بل احترامًا للمسافات التي يجب أن تبقى.

واليوم، بعد عشر سنوات، لا تزال تلك الفتاة تتواصل معي، تحادثني وكأنني أمها الثانية، دون أن تعلم أنني كنت يومًا أم من أحبت!

العبرة من الحكاية:
– الثقة بين الآباء والأبناء تُبنى بالاحتواء، لا بالخوف.
– الحب في سن صغيرة ليس خطيئة، لكنه يحتاج إلى توجيه حكيم.
– أحيانًا، الحب الحقيقي ليس في البقاء، بل في دعم الآخر ليكون أفضل.
– أجمل العلاقات تلك التي تبقى قائمة على الاحترام، حتى بعد أن تتغير المشاعر.

وهكذا، لم أكن يومًا حاجزًا بين قلبيهما، بل كنت جسرًا للعبور إلى النضج والحكمة…

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى