من حكايا آمنة.. بقلبي أرى

لطالما سمعنا قصص نجاح مرت بحياتنا، وكم من الأسماء التي انطبعت في الذاكرة لأصحابها، سواء أكانوا عُصاميين أم ملهمين. وما بين ما نعرفه وما لا نراه، هناك جانب مخفي نادراً ما يُحكى عنه، سرّ الاختلاف الذي يجعل التجربة أعمق والنجاح أكثر بريقًا. لكنها لم تكن كغيرها، فقد كانت تعلم منذ صغرها أنها ستفقد بصرها عند بلوغ العشرين، ولهذا لم تنتظر أن تفاجئها الحياة، بل استعدت لها. لم تستسلم، بل بدأت مبكرًا في اكتساب المهارات التي تعينها على الاستقلالية، فحين أغمضت عينيها عن ضوء الدنيا، كانت روحها قد أشرقت بنور أعظم، **نور البصيرة والطموح الذي لا يعرف التراجع.
تحولت من فتاة مبصرة إلى شخص من ذوي الإعاقة البصيرة، لكن الله يعوض بالأجمل دائمًا. فهي جميلة بكل تفاصيلها، في منطقها وأسلوبها، في فكرها وطريقة حديثها. لم تترك شيئًا للصدفة، بل أتقنت فنون الأناقة في كل شيء، في التعامل مع الآخرين، في حديثها، في تفاصيلها الأنثوية التي تضيف لها رونقًا خاصًا. **لكن الجمال الحقيقي الذي تحمله، هو جمال الإرادة، جمال الاستمرار رغم العثرات، والقدرة على تحقيق النجاح دون أن تقف العتمة عائقًا أمام أحلامها.
لم يمنعها فقدان البصر من إكمال دراستها الجامعية، بل تحدّت كل الصعوبات، ومضت بخطى ثابتة نحو العلم، حتى حصلت على شهادتها، **ثم مضت إلى سوق العمل، فأثبتت أن فقدان إحدى الحواس لا يعني فقدان الإبداع، بل هو فرصة لرؤية الأشياء من زاوية مختلفة.. كانت في وظيفتها مثالًا للإصرار والتميز، ووضعت بصمتها في كل ما قامت به، حتى أصبحت مصدر إلهام لغيرها، **وأصبحت قصتها تُروى كحكاية تصنع الأمل في قلوب من يعتقدون أن الظروف أقوى من أحلامهم.
لكن خلف هذه الفتاة العظيمة، كانت هناك أم عظيمة وأب عظيم، جسَراها لعبور كل الصعاب نحو النجاح. لم تكن حكايتها فردية، بل كانت قصة أسرة كاملة، أسرة فيها ثلاث كفيفات، وجدت في والدتها ووالدها أعينًا تنير لها الطريق، وقلوبًا تُدرك حاجاتها قبل أن تنطق بها. كانا السند، وكانا القوة التي دفعتها إلى أن ترى الحياة بنور اليقين بدلًا من نور البصر. **في هذه الأسرة تعلمتُ معنى التكاتف، ورأيت كيف يمكن للحب أن يكون أجنحةً نحلق بها فوق المحن.
لم أكن مجرد شاهدة على قصتها، بل كنتُ متدربةً على يديها، حتى وجدت نفسي وقد أصبحتُ مدربةً للكفيفات، أساعدهنّ على اكتساب المهارات الناعمة، تمامًا كما علمتني هي كيف يكون التعامل مع الكفيف فنًا راقيًا، لا يعتمد على الشفقة، بل على التقدير والاحترام. **لم تعلمني فقط كيف أتعامل مع الكفيف، بل علمتني نوعًا آخر من الجمال، جمالًا لا يُرى بالعين، بل يُحس بالقلب والمشاعر. علمتني أن الاستماع ليس مجرد مهارة، بل لغة، وأن التواصل الحقيقي لا يعتمد على النظر، بل على الإحساس العميق بالآخرين.
تعلمتُ منها أن الإعاقة ليست عجزًا، بل هي طريقة أخرى للنظر إلى العالم، أن القوة ليست في التغلب على التحديات، بل في احتضانها وتحويلها إلى طاقة حياة. رأيت فيها شخصية ترفض أن تكون بلا قيمة أو عطاء، شخصية تؤمن أن رسالتها في الحياة لا تتوقف عند حدود الممكن، بل تمتد إلى كسر القيود، وإضاءة الطريق لكل من يشعر بأنه مختلف. **لم تكتفِ بأن تكون ناجحة، بل اختارت أن تكون ملهمة، أن تمد يدها لكل من يظن أن الأبواب مغلقة، وتقول له: الحياة أوسع مما تراه العيون .
اليوم، وأنا أروي هذه القصة، أقول بفخر وامتنان: تعلمتُ منها ومن أسرتها الكثير. تعلمتُ الصبر، تعلمتُ لغة الإصرار، تعلمتُ أن الجمال أعمق مما نتصور، وأن الحياة ليست فقط ما نراها، بل ما نشعر به ونتواصل معه بروح صافية.. وتعلمتُ قبل كل شيء أن من يمتلك البصيرة، لا يحتاج إلى النظر، لأنه ببساطة يرى بقلبه …
من أجمل و أعمق ما قرأت القصة مؤثره جدااا 🥺