ناصر الحربي يكتب لـ “درة” | جيران الحي والعادات القديمة

بقلم/ ناصر مضحي الحربي  

بقلم/ ناصرمضحي الحربي

في المجتمعات التقليدية، كان دور الجيران محوريًا وأساسيًا في تعزيز الروابط الاجتماعية وتوطيدها.
كانت العلاقات بين الجيران تتسم بالقوة والمتانة، حيث كانت المساعدة والدعم المتبادل جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية.
في الأفراح، كان الجيران يشاركون بعضهم البعض فرحتهم من خلال تقديم الهدايا والمشاركة في التحضيرات والاحتفالات.
وفي الأتراح، كان الدعم النفسي والمادي يأتي من الجيران الذين كانوا يقفون جنبًا إلى جنب مع الأسر المتضررة، مقدمين العزاء والمواساة.
إحدى العادات القديمة التي كانت تسهم في تعزيز هذه الروابط هي تقديم الطعام للجيران.
كان من المعتاد أن يقوم الناس بطبخ كميات إضافية من الطعام وتوزيعها على الجيران، خاصة في المناسبات الدينية أو الاجتماعية. هذا العمل لم يكن مجرد تبادل للطعام، بل كان رمزًا للتآزر والتكافل الاجتماعي.
بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك زيارات أسبوعية منتظمة بين الجيران، حيث كانت تبادل الأخبار والنصائح وتقديم الدعم لبعضهم البعض جزءًا من هذه الزيارات.
كما أن تبادل الهدايا في المناسبات الخاصة كان له دور كبير في تعزيز العلاقات بين الجيران وخصوصاً في الأعياد والمناسبات الخاصة مثل الزواج أو ولادة طفل جديد، كان الجيران يتبادلون الهدايا كعلامة على الاحترام والتقدير.
هذه العادات القديمة لم تكن مجرد تقاليد، بل كانت تعكس قيم الاحترام والتعاون والانتماء التي كانت تميز المجتمع التقليدي.
ومن خلال هذه الممارسات والعادات، كانت الروابط الاجتماعية بين الجيران تتعزز، مما يخلق شعورًا قويًا بالانتماء والأمان في المجتمع. وهذه الروابط كانت تسهم في بناء مجتمع متماسك، حيث يشعر كل فرد بأنه جزء من نسيج اجتماعي قوي يدعمه في مختلف الظروف والمناسبات.
اما في العصر الحديث، شهدت العلاقات بين الجيران تغيرات كبيرة نتيجة للتطورات الاجتماعية والاقتصادية والانتقال إلى المدن الكبيرة أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى تراجع هذه العلاقات، في المدن الكبيرة، يزداد عدد السكان وتزداد المسافات بين الناس، مما يجعل من الصعب بناء علاقات قوية مع الجيران، بالإضافة إلى ذلك، ضغوط الحياة اليومية تلعب دوراً كبيراً في تقليل الوقت المتاح للتفاعل الاجتماعي، حيث ينشغل الأفراد بأعمالهم ومسؤولياتهم الشخصية، وانتشار التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي له تأثير مزدوج على العلاقات بين الجيران.
من جهة، يمكن لهذه الوسائل تسهيل التواصل بين الناس، ولكن من جهة أخرى، قد تؤدي إلى عزلة اجتماعية حيث يقضي الأفراد وقتاً أطول في العالم الافتراضي بدلاً من التفاعل مع من حولهم.
هذا الاتجاه نحو العزلة يمكن أن يضعف الروابط الاجتماعية التقليدية التي كانت تربط بين الجيران في الماضي.
وعلى الرغم من هذه التغيرات، هناك بعض المحاولات للحفاظ على العادات القديمة وتعزيز الروابط بين الجيران.
على سبيل المثال، تنظيم الفعاليات والمناسبات الاجتماعية في الأحياء يمكن أن يساعد في إعادة بناء العلاقات والتواصل.
بعض المجتمعات تبنت مبادرات مثل “جيران الحي” التي تهدف إلى تعزيز التعاون والتواصل بين السكان من خلال تنظيم الأنشطة المشتركة والتجمعات الدورية.
أهمية استعادة بعض هذه العادات تتجلى في تعزيز الروابط الاجتماعية والتعاون بين الجيران ،والعلاقات القوية بين الجيران تسهم في بناء مجتمعات أكثر تماسكاً وأماناً.
في النهاية، بالرغم من التغيرات التي شهدها العصر الحديث، تبقى الحاجة إلى التواصل والتعاون بين الجيران أمراً ضرورياً لتعزيز الروابط الاجتماعية وبناء مجتمع متكامل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى