تكبير الخط ؟
في عام الفيل، في مكة المكرمة، ولد نبي الإسلام سيدنا محمد -صل الله عليه وسلم- خير خلق الله الذي أرسل رحمةً للعالمين، في بيت أحد أشراف قريته، في فترة كانت تعاني من العديد من الأزمات الاجتماعية والدينية، حيث كانت الجزيرة العربية يسودها حالة من الجهل والظلم.
والنَّبيَّ محمد -صل الله عليه وسلم- أشرف الناس نسباً، وأكملهم خَلْقاً، وخُلُقاً، وقد ورد في شرف نسبه صلى الله عليه وسلم أحاديث صحاح؛ منها: ما رواه مسلمٌ: أنَّ النَّبيَّ -صل الله عليه وسلم- قال: «إنَّ الله عزَّ وجلَّ اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم».
وفي يوم الإثنين في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، كان مولد السراج المنير الذي أضاء الكون بنوره -صل الله عليه وسلم-، وأما نسبه الشريف فهو محمد بن عبد الله، بن عبد المطلب، بن هاشم واسمه عمرو، بن عبد مناف، بن قصى بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر، بن مالك، بن النضر، بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن إلياس، بن مضر، بن نزار، بن معد، بن عدنان.
وفي هذه الفترة، كانت الجزيرة العربية في حالة من الجهل والظلم، حيث سادت عبادة الأوثان والانقسام القبلي، وفي هذه الأجواء المعتمة، جاء ميلاد النبي محمد -صل الله عليه وسلم- ليكون بمثابة شعاع من النور يضيء دروب البشرية، وإصلاح الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
وحملت رسالة خاتم الأنبياء والمرسلين، دعوة للتوحيد والتغيير الاجتماعي، حيث لم تقتصر على الأمور الدينية فحسب، بل شملت أيضًا جوانب اجتماعية واقتصادية تهدف إلى تحسين حياة الناس، حيث كان -صلوات ربي وسلامه عليه- نموذجًا للأخلاق الحميدة، وشعارا للرحمة والعدالة، مما ساهم في بناء مجتمع يقوم على مبادئ المساواة والتعاون والمؤاخاة.
وقد رافق ميلاده الشريف علامات دالة على عظمة هذا الحدث، مما يدل على بداية عهد جديد في تاريخ الإنسانية، ومن بين هذه العلامات، كان حدوث زلزال عظيم في مكة، وظهور نور ساطع أضاء أرجاء المدينة، وسقوط بعض الأصنام من أرفف الكعبة.
ووُلد النبي في عائلة قريشية نبيلة، كان والده عبد الله بن عبد المطلب قد توفي قبل ولادته، وكانت والدته آمنة بنت وهب هي من تولت رعايته، وبعد ولادته، قُبِل النبي صلى الله عليه وسلم من قِبَل مرضعة، حليمة السعدية، التي رعت النبي في باديتها.
وفي طفولته، نشأ النبي الكريم في بيئة حاضنة للقيم الإنسانية والأخلاقية، في مرحلة مبكرة من حياته، أظهر النبي الذي لا ينطق عن الهوى، صفات النبل والأمانة، والتي شهد لها أهل مكة فعُرف في شبابه بلقب “الصادق الأمين” قبل أن يُبعث نبياً.
وفي حياته، كان الرسول الخاتم راعي أغنام يعتزل الناس لبعض الوقت في غار حراء، لأنه كان عازفًا عن كل العادات السيئة التي عرفها العرب في ذاك الوقت، وحين عمل بالتجارة لصالح السيدة خديجة بنت خويلد، كان خير مثال للنزاهة والأمانة وإدارة التجارة.
وفي أحد الأيام نزل عليه الوحي بالآيات الكريمة، فما كان منه إلا أن توجه لزوجته خديجة، لأنها مصدر الأمان والسند الذي يعتمد عليه، ومن هنا بدأت رحلته في نشر الدعوة، والذي تعرض في سبيل نشرها للعديد من المواقف الصعبة بعد أن قام بالجهر بها.
وقد واجه بلينه وحكمته وسماحته، إيذاء المشركين والكفار في مكة الذين كانوا يتعاملون معه بقسوة وغلظة شديدة، فبعد أن كانوا يحترموا ويحكموه في كل نزاع بينهم، أصبحوا يقومون بإلقاء الحجارة عليه في الطرقات، وينتظرونه ليبدأ بالصلاة ثم يضعون على ظهره أمعاء الحيوانات.
وممَّا تبيَّن من سيرة النبي العطرة، يتَّضح لنا من نسبه الشَّريف، دلالة واضحةً على أنَّ الله -سبحانه وتعالى- ميَّز العرب على سائر النَّاس، وفضَّل قريشاً على سائر القبائل الأخرى، ومقتضى محبته -صل الله عليه وسلم- محبَّة القوم الذين ظهر فيهم، والقبيلة التي ولد فيها، لا مِنْ حيث الأفراد والجنس؛ بل من حيث الحقيقة المجرَّدة.
وحيث لا يتسع المجال، فإنه لا ينكر أي شخص مسلم أو غير مسلم قيمة الرسول الكريم في تحويل مسار التاريخ العالمي، وذلك لأنه تمكن بصبره على أمته وعزمه على تبليغ الرسالة مهما كانت المغريات والتحديات، فإن تعرض للمحاربة والتشكيك من أقرب الناس له لكن هذا لم يثنيه عن الحق حتى أرسى قواعد دولته، وأتم الله دينه على يده.